“هذا الشيء هو أخطر اختراع على وجه الأرض، وتطوره غير محمود على الإطلاق يشبه تطوره القنبلة النووية إلى الحد الذي من الممكن أن يُدمر العالم بضغطة زر واحدة”.. تلك كانت كلمات اللواء الكبير العظيم ناجي شهود في إحدى محاضرات استراتيجية الأمن القومي وحديث عن التكنولوجيا وأهدافها في العالم مُحذرا من استخدام الهواتف الذكية والمتطورة.
لم أستطع نسيان هذه الكلمات فهي من العناصر والجمل التي تركت بصمة في أذني وظلت ترن كأن خطرًا انفجار بركان قادم الآن، إنها الحقيقة فهي حتى أخطر من الطابور الخامس ومن محاولات المتربصين لإثارة الفتن والفوضى، فثمة فوضى أخلاقية وفكرية وثقافية أنتجت جيلًا مشوهًا غير قادر على مواجهة أية تحديات، جيل لا يُدرك ما حوله من مخاطر مبيدة، جيل لا يفهم أبدًا مفهوم تبادل الثقافات الحقيقي ومعنى التطور لا الانحراف.
هذا الجيل لا يعي أبدًا أن هذا لا يحدث صدفة، وأنها ليست موضة أبدًا، وإنما هي خطط مستهدف تحقيقها من أجل السيطرة على العالم عبر العقول، فالشياطين رأوا أن الحرب بالسلاح في العالم العربي وتحديدًا في مصر لن تجدي، فبراعة الجنود وما يزرعه الجيش المصري في أبنائه من وطنية حقيقية لن تجدي معها أية محاولات، وإنما قد يجدي ذلك مع الحرب الفكرية وهي أجيال جديدة من الحروب تستهدف “غسل الأدمغة” من أجل أن تسود الهيمنة.
فمثلًا تجد من يُدافع عن الفسق والفجور وانعدام الأخلاق وغياب الدين والعري والحياء وكل الصفات الحميدة باسم الحرية والديمقراطية والموضة والتكنولوجيا الحديثة والتطور والعولمة، حتى تزيف التاريخ بات شيئًا لا يُحرك أية مشاعر بالغيرة على الهوية الثقافية والتاريخية والحضارية داخل الإنسان، لا أحد يعي أن هذا الكارثة التي تسمى بالموبايل والإنترنت والأبلكيشن، هي وسائل تجسس وتغيير هوية متعمدة، فبدلًا من الحرس في استخدامها ومحاولة عدم إعطاء الفرصة لأحد بأن يملكنا ويتملكنا ويتحكم فينا، بتنا نستمتع بذلك ونساعد ونسهم في تنفيذه بكل رضا وأريحية وسعادة.
نحن في كارثة غير عادية، تحتاج إلى وعي كبير، وإعادة إحياء التراث الأخلاقي والديني والثقافي والتاريخي والحضاري من أجل مستقبل يقوده وطنيون حقيقيون يدركون خطورة البراكين المثارة حولهم، وينقذون ما يمكن إنقاذه، نحن في حاجة كبيرة إلى استفاقة من هذا المستنقع الذي تملأه الغفلة والسبات العميق وحتى الجهل، نحن في حاجة إلى انتشال الغارقين في اللهو والمجون من أجيال من المفترض أن يسكن عقولها الفكر والابتكار وحتى الغيرة الدينية والثقافية والأخلاقية بدلًا من هذا “السداح المداح” الممنهج الذي بات حولنا في كل مكان وراح يهدد أمننا القومي والحضاري والتاريخي في الماضي والحاضر والمستقبل.
استقيموا يرحمنا ويرحمكم الله..