تم توقيع معاهدة فريدريكهامن بين روسيا والسويد بتاريخ السابع عشر من سبتمبر لعام 1809 ميلاديًا، وكانت تلك هي نقطة النهاية للحرب الناشبة بين البلدين، في ذلك الوقت لا تجد من يتذكر تلك الأحداث إلا قليلًا، بالرغم من ذلك فهي تعتبر من أهم الأحداث في تاريخ أوروبا، والتي أدت إلى جعل فنلندا دولة مستقلة.
وسترى أنه من الغريب أن تلك الحرب بين البلدين كانت تجسد النزاع الكبير بين بريطانيا وفرنسا والذي كان سببًا في تقسيم أوروبا، قام نابليون بونابرت باحتلال معظم القارة الأوروبية في سنة 1808 ميلاديًا، لكن قوة بريطانيا البحرية كانت أكبر تهديد له، فقد استطاعت البلاد مواجهة الجيش الفرنسي بسهولة، حتى دمرت الخطط التي وضعها نابليون أملًا في جعل القارة الأوروبية موحدة، في ذلك الحين علم نابليون أن احتلاله لبريطانيا يكاد يكون مستحيلًا، مما جعله يفكر في خطة أخرى ألا وهي محاصرة بريطانيًا تجاريًا.
فقد استخدم نابليون تحكمه في القارة الأوروبية حيث أغلق كل موانئ السفن البريطانية، وكان الهدف من تلك الخطة هو التضييق على بريطانيا اقتصاديًا ونشر الجوع بين صفوف الشعب ومنع الموارد الحيوية عن بريطانيا وذلك من خلال قطع العلاقات البريطانية مع أوروبا، لكن واجهت نابليون مشكلة وحيدة وهي أنه لم يكن قد فرض سيطرته على السويد، فلم يتم إغلاق موانئ السويد أمام السفن البريطانية، مما جعل بريطانيا تتمكن من الاستمرار في التجارة مع القارة.
في ذلك الحين، كان “غوستاف أدولف الرابع”، والذي هو ملك السويد، من أكبر المناهضين للثورة الفرنسية، بل كان يقول أن نابليون يعتبر “المسيح الدجال” الذي سيؤدي بقيادته لأوروبا إلى نهاية العالم، وكان ملك السويد يرتب خططه لمنع بونابرت من التوسع في حدوده وفرض سيطرته على البلاد الأوروبية، حتى أنه قام بالتحالف مع بريطانيا العظمى في عام 1808 ميلاديًا، وفي ذلك الحين كان نابليون على الجانب الآخر يتحالف مع الإمبراطور الروسي ألكسندر الأول، وتم الاتفاق بينهما على أن روسيا ستخضع البلاد الغربية المجاورة لها لطلبات الحملة الفرنسية و إغلاق الموانئ أمام بريطانيا.
حتى أنه قام الجيش الروسي باقتحام السويد، والتي هي الآن فنلندا، مما أدى إلى بدأ الحرب بين السويد وروسيا في الواحد والعشرون من فبراير لعام 1808 ميلاديًا، واستمر النزاع لمدة عام ونصف، حتى أصبح النزاع أكبر وتداخلت الأطراف فيه، حيث أن الجيش البريطاني والدنماركي اشتركوا في تلك الحرب، حتى تم توقيع معاهدة مع السويد والتي كانت هي الدولة الخاسرة في تلك المعركة في عام 1809 ميلاديًا، وبالرغم من أن السويد كانت جزءًا صغيرًا من الصراع الذي قاده نابليون عبر أوروبا، ولكن هزيمتها كانت لها تأثير مهم للغاية بالنسبة إلى المنطقة الشمالية.
تم نقل الحدود بين روسيا والسويد من Kymi إلى نهر Torino ، وهكذا قامت روسيا بالاستيلاء على سدس محافظات السويد الشرقية، وكانت تلك المنطقة هي ثلث الأراضي السويدية وربع السكان لمدة ستة قرون كانت فنلندا محكومة من ستوكهولم، وبعد توقيع المعاهدة أصبحت تلك الأراضي تحت السيطرة الروسية، وتم تسميتها “دوقية فنلندا”.
في بداية الأمر تظن أن فنلندا أصبحت تحت سيطرة إمبراطورية أخرى، لكن مع تلك الأحداث، بدأت فنلندا في اتخاذ الخطوات اللازمة لاستقلالها، حيث في النهاية أصبحت فنلندا مستقلة تحت الحكم السويدي، وكانت الحكومة السويدية المركزية تحكم فنلندا بشكل مباشر، ولكن لم يكن هذا في روسيا، فقد استمرت فنلندا في التقدم وحدها، وكان لها مجلسًا وحاكم لم يكن ضمن روسيا.
وكانت لتلك التغييرات أثر كبير في الثقافة الفنلندية، فقد أصبحت فنلندا بارزة مرة أخرى بعد الهزيمة السويدية لروسيا، حيث أخذت فنلندا خطواتها في تكوين الهوية الوطنية والتي ستكون حاسمة في مواجهتها للترسانة العدوانية في نهاية القرن التاسع عشر، وتم إعلان استقلال فنلندا في عام 1917 ميلاديًا.
المصدر: قصص