قبل حديثنا عن آثار الأخلاق الحميدة على المجتمع، من الضروري أن ندرك بأن الأخلاق عالم متكامل من المنظومات القيمية والمبادئ والقيم التي تميز الأفراد والمجتمعات والأمم.
إن أهمية القيم والأخلاق تظهر بشكل جلي من خلال تأكيد جميع الديانات السماوية عليها، حيث أخذت حيز مهم من الدعوة الإسلامية، وقد ظهرت قيمتها بالحديث الشريف للرسول محمد (ص) الذي قال: “إنما بُعثت لأتمم مكارم الأخلاق”، فالأخلاق وفق الشريعة الإسلامية قادرة على أن ترفع المجتمعات، أو أن تهدمها.
يبقى الفرد هو نواة المجتمع فعندما يرتقي بمبادئه وقيمه وحسن خلقه يضمن رضا الله، كما أنه سيعكس آثار الأخلاق الحميدة التي يمتلكها على مجتمعه.
وبالمقابل كلما ابتعد أفراد المجتمع عن الأخلاق الحميدة وفضائلها، كلما كان المجتمع منحرف ضعيف ومفكك، مما يزيد من نسب الجرائم فيه.
تعريف الأخلاق:
قبل أن نطلع على آثار الاخلاق الحميدة على المجتمع من المهم أن نعرف تعريف الأخلاق، والتي هي جمع لكلمة خُلق، والخُلق لغة هو الطبيعة والسجية والصورة الداخلية للفرد التي تنعكس لتظهر للآخرين عبر الصورة الخارجية.
أما اصطلاحاً فيقصد بالخُلق الهيئة الراسخة بنفس الإنسان، والتي تنعكس على تفكيره وسلوكياته، بحيث تصدر منه السلوكيات والأخلاق الحميدة، أو السلوكيات والأفعال المذمومة.
ومن المفيد أن نشير الى مصطلح التخلّق الذي يختلف عن الخُلق، لأن الخلق ينبع من سمات وسلوكيات الانسان الراسخة فيه، أما التخلق فينبع من تكلّف وتصنّع الشخص، وهو عادةً لا يدوم لفترات طويلة، لأن خلق الإنسان المذموم أو المحمود هو الذي سيعود ليظهر أمام الآخرين.
آثار الأخلاق الحميدة على المجتمع:
إن أخلاق الأفراد تنعكس على مجتمعاتهم، فهي المقياس الحقيقي لمدى صلاح المجتمع والتزامه بمكارم الأخلاق، والأخلاق الحميدة من أهم أسباب سعادة الأفراد في الدنيا، وفوزهم بالجنة يوم الحساب.
ونظراً لقيمة وأهمية آثار الأخلاق الحميدة على المجتمع، فسنتعرف وإياكم على أهم هذه الآثار:
- نشر المحبة والسلام:
إن انتشار مكارم الأخلاق بين أفراد المجتمع تساهم في نشر الألفة والمحبة بينهم، وبالتالي يعيش المجتمع بسلام وأمان، وينتشر الود والاحترام بين أفراده.
إن الأخلاق الحميدة تدفع الانسان لاحترام الآخرين ومعاملتهم بأفضل شكل، ولأنه يعرف الحدود بين حقوقه وحقوق الآخرين، فهو لا يقوم بالمس بحقوق أو أملاك أو أعراض باقي أفراد المجتمع.
فالأخلاق من الفضائل التي تشكّل الرادع الأكبر للإنسان الذي يسعى لأن يكون صالحاً، والذي يبحث على أن ينال خير الدنيا وثواب الآخرة، فتظهر عند ذلك آثار الأخلاق الحميدة على المجتمع المطمئن الذي يعيش بعدالة وسلام.
- متانة بنية المجتمع الداخلية:
إن الأخلاق الحميدة تساهم في قوة وألفة وتماسك العائلة التي هي أساس المجتمع، وبالتالي تقل نسب المشاكل والخلافات بالعائلة، وهذا ما ينتقل الى المجتمع، الذي يظهر بشكل متماسك ومتين.
يعتبر الفرد نواة الأسرة التي هي نواة المجتمع، وبذلك يكون بناء الفرد من الناحية الأخلاقية هو اللبنة الرئيسية التي تبنى عليها المثل العليا للمجتمع، فعندما يكون البناء قد جرى على مكارم الأخلاق، فنحن سنكون أمام مجتمع متماسك يلتزم أفراده بالقانون والنظام، ونجد أن الجرائم والمشاكل فيه محدودة يمكن السيطرة عليها وحلّها بسهولة.
- تعزيز شعور الفرد بالجماعة:
تنعكس آثار الأخلاق الحميدة على المجتمع من خلال شعور الفرد أنه ينتمي الى هذا المجتمع، وبأنه جزء لا يتجزأ منه، فهذا سيزيد من شعوره بالمسؤولية الملقاة على عاتقه تجاه مجتمعه، فنراه يعمل بشكل حثيث على ما يعود بالفائدة عليه وعلى عائلته ومجتمعه.
- بناء الروابط التي تزيد من الثقة والأمان:
تساهم الأخلاق الحميدة في بناء روابط قوية للثقة والأمان بالمجتمع، فيشعر الانسان أنه مطمئن على نفسه وعلى عائلته وأملاكه وأمواله، وتراه يثق بأفراد مجتمعه ويأمن جانبهم، لأن تحلي هؤلاء الأفراد بمكارم الأخلاق يمنعهم من الغدر أو الظلم أو الخيانة بأي انسان على وجه الأرض.
وقد أكدت الدراسات بأن ارتقاء المجتمعات كمنظومة متكاملة، وتطورها في العديد من المجالات يرتبط بالعلاقات المتينة بين أفرادها الذين يتحلون بالأخلاق الحميدة.
- منعة المجتمع أمام باقي المجتمعات:
إن آثار الأخلاق الحميدة على المجتمع تظهر من خلال ترابط أفراد المجتمع مع بعضهم ومحبتهم لبعضهم البعض، وهذا التماسك يجعلهم أكثر قوة ومنعة أمام المجتمعات الأخرى.
- الازدهار الاقتصادي للمجتمع:
إن مكارم الأخلاق تفرض على الانسان إتمام عمله بالوجه الأكمل، مما يجعل الفرد يبذل كل ما يملكه من جهد ووقت في سبيل خروج عمله بما يرضي الله أولاً، ويرضي من يقدم اليه العمل ثانياً، فلا يتهاون مطلقاً في عمله، ويبتعد عن كل أعمال الغش أو التحايل أو التكاسل والتهاون، وهذا له أثر كبير على نمو الاقتصاد في المجتمع.
وفي ختام هذا المقال نكتشف ضرورة التفكير العميق بسلوكياتنا، وتصحيح أي خلل فيها، ولأن الاطفال هم مستقبل المجتمع فعلينا العمل على غرس مكارم الأخلاق في نفوسهم وعقولهم، لتكون الاخلاق الحميدة ملكة وثقافة لديهم، وسنشاهد بعد ذلك نتائج كل ما ذكرناه من آثار الأخلاق الحميدة على المجتمع.