كشفت الدكتورة أميرة سمير أستاذ الإذاعة والتلفزيون كواليس لقائها برفقة زملائها من الفرقة الثالثة عندما كانت طالبة في كلية الإعلام جامعة القاهرة في فترة التسعينيات، وأثناء إعداد مشروع التخرج بالراحل الكاتب الكبير وحيد حامد.
وقالت أميرة إن رحيل الكاتب الكبير وحيد حامد يُعد خسارة كبيرة لعالم الفن والإبداع، وبوداعه تجدد إحساس الفقد والمرارة، وكأن مصر تخلو تدريجيا من المبدعين الحقيقيين.
وكان الكاتب الكبير السيناريست وحيد حامد قد رحل عن عالمنا اليوم عن عمر ناهز الـ 76 عامًا، بعد صراع مع المرض وإصابته بأزمة صحية حادة.
ولُقب حامد بـ “الفلاح الفصيح” وصاحب جائزة “الهرم الذهبي” الذي حصدها في مهرجان القاهرة السينمائي الدولي الدورة الـ 42، تكريمًا لما قضاه من حياته في رحلة الإبداع الفني والأدبي، مسجلًا أعمالًا درامية وسينمائية ومسرحية فنية وأدبية متميزة كانت سببًا في تصدر مصر فنيًا أمام العالم.
وفي إحدى اللقاءات النادرة كشف وحيد حامد عن أسرار مشواره الطويل الذي أكسبه خبرة وحكمة في التعامل مع الجمهور والأجهزة الرقابية الفنية، وحتى تكون رسالته كما ينبغي كان يستخدم الحيلة لتمرير أعماله، وكيف كانت تمرر أعماله من الرقابة الفنية بالحيلة الماكرة، قائلًا: “كنت أضع مشهدًا أعلم جيدًا أن الرقابة ستقوم بحذفه، وأدخل في حالة من الجدل والصراع من أجل هذا المشهد، في حين أن المشاهد الأخرى والأكثر والأشد والتي أرغب في تمريرها هذا ما أريده، وأنجح في الكمين الذي أعددته منذ البداية “.
وتحدثت الدكتورة أميرة سمير أستاذ الإذاعة والتلفزيون وعبر حسابها الخاص على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك” ناعيه السيناريست وحيد حامد، مشيرة إلى أنه في لقاء جمع بين الإبداع والتنوير ولم يدع فيه الكاتب الكبير العُمق مرة وكان رائدًا للإنصاف، وتميزت أعماله في واحدة من أهم فترات التاريخ، يمكن القول أنها الفترة الذهبية للأعمال الفنية.
وروت قصة لقائها بالكاتب الكبير في فترة التسعينيات عندما كانت في الفرقة الثالثة في كلية الإعلام جامعة القاهرة، وكان مشروع تخرجها برفقة فريقها من الزملاء بعمل مقابلة تليفزيونية، ووقع اختيار المجموعة على وحيد حامد، والذي تم التواصل معه من خلال إحدى الزميلات في المجموعة والتي كانت تستطيع في ذلك الوقت الوصول إليه عبر أحد معارفها.
وأوضحت: “كانت هذه الفترة تعد الفترة الذهبية لأفلام وحيد حامد.. اللعب مع الكبار.. الإرهاب والكباب.. المنسي.. وغيرها من الأعمال، ودعانا الأستاذ لجلسة في مكانه المفضل بالمطعم الدائري بفندق المريديان في تلك الأيام (أظن انه الآن جراند نايل تاور).. واستقبلنا ونحن مجرد مجموعة من الطلاب وبدأ الحوار حول أعماله المختلفة”.
وأردفت: “سألته سؤال مباشر.. ما الفارق بينك وبين أسامة أنور عكاشة؟.. وكان رده: (أسامة غازل دانتيل.. يستطيع أن يغزل أحداثا متفرعة من بعضها ببراعة تامة مع حكايات متعددة متداخلة؛ لذلك هو الرائد في الدراما التليفزيونية ذات الأجزاء.. أما أنا فأستطيع ببراعة كبيرة أن أكتب فيلم مدته ساعتين.. وهى قدرة مختلفة.. الرجل كان محددًا ومنصفا لقدراته وقدرات الآخرين.. ووصف الفرق بين الإسهاب والاختزال بمنتهى الدقة”.
وأضافت: “أتذكر أنني كنت في هذه الفترة أقوم بتحليل فيلم في إطار مادة الدراما وكان اختياري قد وقع على فيلم “دماء على الاسفلت “وهو من تأليف أسامة أنور عكاشة.. قارنت لحظتها بين رأي وحيد حامد وتحليلي للفيلم وجدته صحيحا بدرجة رهيبة.. أسامة أنور عكاشة فعلا كان لديه فائضا من الأفكار تكثيفها في ساعتين ظلم كبير له”.
واستكملت: “كان سؤالي الثاني حول فيلم البريء للراحلين الكبيرين أحمد زكى ومحمود عبد العزيز.. سألت الأستاذ وحيد حامد عن لقطة محددة تدور فيها الكاميرا على جدران الزنزانة التي كان البطل مسجون بها، حيث كان مكتوب على الجدار ما يبدو كرقم ٧٧، سألته بحماسة طالبة عندها المعضلة الأشهر في هذا العمر: عبد الناصر أم السادات.. حينذاك وفى هذا العمر كنا نرى الدنيا أبيض وأسود.. نريد تصنيف باتر لنرتاح؛ لنكتشف بعدها أن مساحة اللون الرمادي هي الغالبة على الصورة، سألته هل كنت تشير إلى عهد السادات؟.. رد بمنتهى الهدوء أنه لم يلتفت لهذه اللقطة وعليه هو لم يقصد عصر بعينه ..الرجل قال أن الفيلم فكرة لا ترتبط بعصر.. لم يدع عمقًا ليس في حاجة إليه.. وانتهت الجلسة التمهيدية وزميلاتي وأنا في حالة انبهار”.
ولفتت إلى أنه في موعد التصوير جاء وحيد حامد إلى ستديو التدريب بكلية الإعلام؛ ليسجل برنامجًا مع طلاب في مشروع دراسي.. حلقة لن ترى النور ..ولن يراها سوانا.. برحيل وحيد حامد يتجدد لدي إحساس الفقد والمرارة والخسارة.. أشعر بخواء غريب وكأن مصر تخلو تدريجيا من المبدعين الحقيقيين.. رحم الله وحيد حامد.. ورحم الله كل مبدع ساهم في تنوير العقول”.