إن التتبع الميداني والمعرفي لموضوع النخبة يظهر بوضوح أنه لا مجال لتعميم تعريف تحليلي صالح لكل زمان ومكان فهناك مراحل تاريخية كانت النخب فيها تلعب دوراً كبيراً في وعي قضايا المواطن والمجتمع والأمة في مجتمعات محددة.
ولم يكن ذلك مرتبطاً بالضرورة بمجموع الشبكة الاجتماعية التي تشملها هذه الكلمة بأكثر تعريفاتها عملية بل غالباً بالمنسلخين اجتماعياً وسلطوياً عن هذا الوضع أي ليس بمن يفكر بالثقافة كمشروع سلطة بل بإدراك دوره النقدي كسلطة مضادة بامتياز وهنا محك العلاقة بين النخبة والمجتمع بين المثقف والمشروع الحضاري لمجتمعه..
لكن للنخبة السياسية ميلاً عضوياً قوياً إلى أن تصبح هي “نخبة النخب” بالمعنى المعياري أي سيدة النخب” فهي النخبة التي تهفو إليها كل النخب الفرعية النخبة التي تعتبر نفسها قوى كل النخب وربما فائدة المجتمع ورائدة النخب .
إن وجود السلطة كممارسة سياسية داخل الدولة والمجتمعات والنظم السياسية يؤسس لوجود مجموعة من الأنساق والمؤسسات القائمة على أساس العلاقة السلطوية فيما بينها مما يعزز على نحو جلي وجود الحاكم والمحكوم بين مختلف المؤسسات الاجتماعية بمفهومها الشامل داخل وخارج المنظومة السياسية متناغمة بذلك مع التقسيم الطبقي داخل المجتمع .
وتأتي النخبة السياسية كمفهوم حاول المختصون من خلاله تسليط الضوء على جماعة بشرية معينة، تعيش في إطار النظام السياسي و تمارس نمطاً من أنماط العلاقة السلطوية بين الحاكم والمحكوم , إذا إن الحاكم الفرد (عملياً) وعبر مر التاريخ لا يستطيع ممارسة السلطة بمفرده دون وجود مجموعة من الأفراد يشاركونه بنسب متفاوتة في ممارسته للسلطة على باقي مكونات الدولة التي يحكمها , وقد اصطلح المختصون لذلك تسمية (النخبة السياسية ).
أدى ذلك إلى إن تشارك هذه النخبة بفاعلية أكثر من غيرها من طبقات المجتمع في رسم الحراك السياسي داخل الدولة و مجتمعها السياسي بمختلف الاتجاهات سلباً أو إيجاباً انطلاقا مما تمتلكه من مميزات مقارنة بغيرها من طبقات المجتمع ومن جملة هذا الحراك عملية التنمية السياسية، التي تشهدها بعض المجتمعات النامية في أنظمتها السياسية.
ولعل هذه المكانة المتميزة التي تحتلها السياسة تعود إلى أن مسار السياسة هو السلطة وأن تمحور الصراع حول حيازة السلطة يؤشر إلى درجة سلطوية المجتمع إي إلى ضخامة كمية السلطة المتوزعة في ثنايا الجسم الاجتماعي وإلى كون السلطة تقليديا في المجتمع هي البوابة الكبرى إلى الوجاهة الاجتماعية والتميز والأمن والثروة والنفوذ .
ولعل جاذبية التميز والريادة التي تتحكم موضوعياً في دينامية النخبة السياسية تعود من جهة إلى قوة السلطة وتميزها في اتخاذ القرارات مما يدفعها إلى الاستعلاء عن النخب الأخرى عن طريق امتصاص رحيقها عبر استدماج فئاتها أو نخبها العليا واستعمال خبرتها وفكرها واستخدامه وكأنه متولد عن النخبة السياسية ذاتها بعد صهره وتكييفه …
وهناك من يري أن النخبة السياسية تحديداً تتشكل من تركيبة متجددة تتبادل تمثيل المجتمع والدفاع عن المصالح الخاصة والعامة داخله وهي محلية النفوذ وليست بدائمة … كما أن هناك فرق أساسي بين النخبة السياسية وباقي النخب حيث تتمتع هذه النخبة بصلاحيات تمكنها من اختيار السياسة التي تحقق طموحاتها وأهدافها مما يوسع من سلطاتها ويمنحها تأثيرات غير محدده عكس النخب الأخرى التي تمارس نفوذها وسلطتها داخل مجالاتها الخاصة دون أن تستطيع التأثير علي التوجهات السياسية بشكل قوي وفعال .
بينما تمارس النخب الأخرى سلطتها داخل مجالاتها فقط دون التأثير على التوجهات السياسية
تتعلق وظيفة النخب بمدى قدرتها على التأثير في المجتمع باستقلالية دون أن تفقد معنى وجودها
النخبة السياسية هي خلاصة التفاعل بين النخب لان أصولها وتدرجاتها تعود إلى كافة القطاعات الاجتماعية.
من هنا فان النخبة السياسية هي قطاع واسع لا يقتصر عل بيروقراطية الدولة ورجال السلطة في المركز والأقاليم في سياق مأسسة الديمقراطية في مجالس بلدية وقروية ومجالس نيابية ومستشارين وحزبيين وأفراد مجتمع مدني العاملين في الشأن العام.
تتميز هذه النخبة بتراتبيتها وتدرجها وهرميتها ارتباطا بهرمية جهاز الدولة خاضعة لقانون المنافسة الشرسة والناعمة التي تحكم الحقل السياسي عامة والفضاء الاجتماعي برمته فهي ليست متجانسة في مشاربها السياسية ولا في موقعها الاجتماعي.
تسعى النخبة السياسية لان تكون رائدة النخب الأخرى والتي بدورها ترتئي اليها ويعود ذلك بشكل أساسي إلى تمحور الصراع حول حيازة السلطة وما في ذلك من التحكم بالقرارات مما يدفعها للاستعلاء على النخب الأخرى .
مفهوم النخبة ومفهوم الصفوة
الصفوات اجتماعية او حاكمة او متخصصة
الإجتماعية تستمد قوتها من خلال محاكاة الناس لقادتها
اما الحاكمة فمن خلال وضع قادتها القانوني واحتكار إتخاذ القرارات
اما المتخصصة فتضم القطاعات العليا من ذوي المهن الفنية العليا كالاطباء والمهندسين والمحامين. تتبع طبيعة الصفوات نمط التطور الإجتماعي والإقتصادي للمجتمع كما انها تتأثر بالمرحلة الزمنية في المجتمع الواحد. كما ان مكانة الصفوة لا تعتمد فقط على مواهب الأفراد وخصائصهم السيكولوجية وانما يتحددان في ضوء البناء الإجتماعي لمجتمع معين.
كما ينظر الى الصفوة من خلال المؤسسات المهمة او الإستراتيجية.
في سياق التفريق بين النخبة والطبقة يجدر العودة الى تعريف الطبقة حسب ماركس: مجموعة من الاشخاص تقدم العمل نفسه في اطار عملية الإنتاج، مع العلم ان توفر الوعي الذاتي اساس لدخول الطبقة في اي نضال سياسي او إقتصادي ناجح. ان هذا التدرج الإجتماعي يشكل مظهرا أساسيا من مظاهر المجتمع الحديث كما ان التفاوت الطبقي وسيلة تؤكد أن أكثر الأوضاع الإجتماعية أهمية هي تلك التي يشكلها أكثر الأشخاص كفاءة.
من هنا فان مفهوم الطبقة يختلف عن مفهوم النخبة وقد لا يكون هناك للطبقة نخبة لها دور مجتمعي مؤثر.
النخب العربية
في الجاهلية اقتصرت النخب على المسيطرين على طرق التجارة مع الشام واليمن
اما مع فجر الإسلام فكانت النخبة مرتبطه بالصحابه ووجهاء الأنصار مستندة على العلاقة المميزة مع الرسول
اما في العصر الأموي والعباسي فاستندت الى رعاية النص الديني والأسبقية في الإسلام.
أزمة النخب العربية
وعلاقتها بتخلف المجتمعات العربية الثقافي والتنموي وارتباطها بالإزمة الحضارية التي تعيشها مجتمعاتنا والفجوة العميقة بين الرصيد الثقافي الحضاري الذي نملكه وبين امكانية الإضافة إليه من انتاج يدفع بإتجاه الإبداع بدل الإجترار في عصر شهد انجازات عظيمة من خلال استخدام الشعوب لرصيدها المعرفي. شكلت النخب العربية حالة خاصة تميزت بضعف بنيويتها وسهولة اندثارها وذلك لغياب الاراده لقيادة المجتمع على امتدادها التاريخي وانما عملت على تأمين انسياقه لها بما يخدم مصالحها مستغلة علاقتها العضوية بالسلطة بعيدا عن إحداث اي تغيير وإنما ضمان أسباب بقائها.
من هنا حافظت هذه النخب على البقاء بعيدة عن الجماهير ومنكفئة على ذاتها تعيش اغترابا عن وسطها الإجتماعي الطبيعي وعداءا له محافظة على التواجد في وسط المسافة بين السلطة الحاكمة الغير آبهة بها وبين الجماهير التي تحمل لها العداء لتسببها بترديها السياسي والاجتماعي والإقتصادي.
أدى إشتراك المجموعات المختلفه المشكلة للنخب بنفس الاهداف والميزات الى التحالف ضمنيا بما لا يضمن مصالح الجماهير بالرغم من الفوارق بينها.
طبيعة النخب السياسية هذه جعلتها لا أخلاقية بنظر العوام ممّا ابقاها في عزلتها التي اتصفت بها منذ بدايات الإسلام بعد وفاة الرسول.
في مقارنة بين النخب العربية والغربية فنجد اختلافا كبيرا في مناهج الفكر واساليب مزاولة العمل وفي ولاءاتها وانتماءاتها بالرغم من التقائهما في الدلالة على الفئة او الطبقة.
مع العلم ان النخب العربية تحاول استعارة توظيف مثيلتها الغربية الا انها تصطدم بالحقيقة الكامنه في عزلتها عن الجماهير التي تعمل بدورها على تنحيتها واقصائها نتيجة القناعات المحلية المعبرة عن الهوية والإنتماء الحضاري.
تواجه النخب فشلها بالإصرار على مواقفها وتبريرها وتضع اللائمة على تقليدية الوعي الشعبي وتخلفه مما يخلق فجوة هائلة بين مهام النخبه وهموم المجتمع وبالتالي تنفصل عن واجبها الحقيقي المتمثل في الالتحام بالجمهور والأخذ على عاتقها بتوعيته ونشر القيم الثقافية الإيجابية فيه ليأخذ دوره في عملية البناء والتغيير ومواجهة ثقافة الإستهلاك والإنحلال لتحقيق ذاته وإستقلاله.
تشترك النخب العربية بخصائص مشتركة تبدو جلية في نقص الخبرة في آليات العمل السياسي ويعود ذلك لاسباب عدة اهمها ما تعرضت له من قمع واستبداد والمراوحة بين المنافع والمضار مما ادى إلى عزلتها عن الجماهير طوعا او جبرا، فاقم ذلك ما ارتدته السلطات الحاكمه من قدسية بالرغم من ما تمارسه من اقصاء وإستعباد للآخر.
أما النخب التي وصلت للسلطة فقد انجزت ذلك من خلال الانقلابات العسكرية أو بإرتباطها بقوى أجنبية أو بالمزاوجة مع النخب الإقتصادية وليس من خلال ارتباطها بالجماهير والتعبير عن مصالحها.
فيما يتعلق بتركيبة النخب السياسية فهي قد تشمل رجال اعمال اقتصاديين اثرياء او رجال علم وحملة شهادات عليا او رجال دين وقد تكون مزيجا من كل أولئك.
اما في حال احتلت النخب السياسية المناصب الحكومية الهامه والمؤثرة فانها تعمل على الحفاظ عليها من خلال إقحام أفراد من العامة بمواصفات محدده ضمن مناصب هامشية من خلال الترغيب والابتزاز المادي وغيره بحيث يخدم وجوده والابقاء على مصالح هذه النخب وحمايتها وضمان أمنها وإستقرارها مع العلم انها تنتهي منهم فيما بعد بانتهاء مهمتهم وهو ما يخدمها لتحقيق تفكيك القوى الشعبية وخلخلة تنظيمها.
دور النخب المثقفة في المجتمعات هو حماية المواطن والدفاع عنه كلما لحق به الضرر سواء فكريا , أو اجتماعيا , أو اقتصاديا , أو أخلاقيا , أو دينيا . علاوة على التصدي لكل التيارات وكل الأفكار المسمومة والتي تعبر اليه – أي المواطن – بدون رقابة من خلال الوسائط الرقمية وأخيرا , التوجيه , لان المواطن اليوم يحتاج إلى من يوجهه ويرسم له الطريق ,ولان المواطن يحتاج إلى مرجعية ثقافية تغني رصيده الفكري والرحي والاجتماعي .
دور النخبة المثقفة هو ترسيخ مبدأ الحكامة في قرارات الدولة وسياستها وتصوراتها وبرامجها لئلا يسقط المواطن في صراعات مع توجهات الدولة .