إن الصدق منجاة المؤمن لأن الله وعد الصادقين بدار النعيم، واعتبر الصدق من صفات أهل الصالحين.
فالصدق خُلقٌ عظيم من الأخلاق التي دعانا اليها الدين الحنيف، وهو منارة المؤمن وطريق النجاة لأن من اتبع طريقه وصل، ومن التزم به نجا وعلى صدقه نال الأجر العظيم، واعتبر من المتقين المؤمنين.
وفي زماننا هذا ما أحوجنا للصدق، فنحن في زمان كثر فيه المنافقون الكاذبون، وقلّ في الصالحون الصادقون.
تعريف الصدق:
إن الصدق هو نقيض الكذب، ويقصد به الإخبار عن الشيء على حقيقته، وعلى ما هو عليه واقعاً، والانسان الصدّيق هو كما قال القرطبي: من يحقق بأفعاله ما يقوله لسانه.
الصدق من صفات المؤمن:
إن الانسان المؤمن يخشى الله ويدرك أنه تعالى يعلم تماماً ما في النفوس، ولذلك نجد هذا الانسان صادق بطبعه لا ينافق ولا يكذب ولا يغش، ولا يستر باطنه بالمظاهر الخادعة، لأنه إن تحايل على الناس فلن يتمكن من التحايل على الله عزّ وجلّ.
لأن الانسان التّقي يعلم أن الصدق منجاة المؤمن، نراه لا يستعين بالكذب حتى وإن كان من وراء ذلك منافع دنيوية كبيرة له، وبالتالي نجده إذا تحدث صدق، وإذا وعد وفى، وعندما يؤتمن يؤدي أمانته، فهدفه هو إرضاء الله، والمنفعة التي يبحث عنها هي الفوز بالجنة يوم الحساب.
أهميّة الصدق:
- إن الصدق منجاة المؤمن في الدنيا والآخرة، فهو من مقومات الحياة الاجتماعية وضروراتها الأصيلة، ويساهم في تآزر وتفاهم أبناء المجتمع الواحد، وفي النهوض بأعباء المجتمع وتحقيق أهدافه وغاياته، لينعم أفراد هذا المجتمع المؤمن بالحياة الكريمة الهادئة، التي يسودها السلام والمحبة.
- إن اللسان هو الأداة الأساسية التي تستخدم للتفاهم والتواصل البشري، فيكون حديث الشخص ترجمان لما يدور في خلده من مشاعر وأفكار، ولذلك على الانسان أن يدرك أن كلامه يلعب دور هام في حياته الشخصية ويؤثر على محيطه الاجتماعي.
- على صدق الحديث أو كذبه تبنى سعادة المجتمعات او شقاؤها، فعندما يكون حديث الانسان صادق، وشهاداته ونقله للأحداث صحيح، سيساهم بإرساء السلام في مجتمعه، وزيادة أواصر التعاضد والتفاهم والمحبة مع باقي أفراد المجتمع، أما الانسان الكاذب، فهو يتسم بالتزوير والخداع والخيانة، وسينشر التباغض بين أفراد المجتمع وسيكون أحد أسباب فساده وخرابه.
- إن المسلم لا يمكن أن يصل الى مرتبة المؤمن، إلا عندما يتسم بالصدق.
- الصدق منجاة المؤمن وهو من أهم الوسائل للحصول على الثواب والأجر من الله عزّ وجلّ.
- إن الصدق يجنب المؤمن عقاب وغضب الله تعالى، ويحميه من أهوال يوم الحساب.
- يبعد المسلم عن صفة النفاق المذمومة والتي تودي بالإنسان الى النار.
- إن الانسان الصادق يشعر دائماً براحة نفسية وطمأنينة داخلية، ولا يشعر بتأنيب الضمير.
- إن مكاسب الصدق لا تقتصر على يوم الحساب، فالله تعالى يوفق عبده الصادق ويبارك له في دينه ورزقه وعموم حياته.
الصدق منجاة المؤمن:
تظهر أهمية الصدق من خلال المقام الذي منحه الله للصادقين، ويظهر ذلك جلياً من خلال آيات الكتاب الحكيم الذي اعتبر الصدق من المفاهيم المحورية التي تقوم عليها المنظومة التربوية القيمية.
ظهر الحث على الصدق في العديد من آيات القرآن الكريم التي أظهرت قيمته وأهميته بطرق متعددة وأساليب مختلفة.
ومن هذه الآيات الكريمة التي أظهرت مكانة الصدق والصادقين قوله تعالى: “مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا * لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِن شَاء أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا” الأحزاب آية 23 و24
وبذلك يظهر لنا الله تعالى بشكل لا لبس فيه أن الصدق منجاة المؤمن هنا، فقد كانت المجازاة الإلهية للصادقين على صدقهم بأن لهم الجنة ينعمون فيها.
ومن الآيات التي تظهر فوز المؤمن الصادق بالجنة قوله تعالى: “قَالَ اللّهُ هَذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ” المائدة آية 119.
وهنا نجد أن الله وعد الصادقين بالجنة والخلود فيها، فهل هناك شك بعد ذلك في أن الصدق هو منجاة المؤمن، ووسيلته للوصول الى الجنة التي وعد بها، ليكون راضياً مرضياً فائزاً الفوز العظيم.
أقسام الصدق:
إن الصدق وفق الدين الإسلامي الحنيف له عدة أقسام هي:
أ- الصدق مع الله تعالى:
وقد ظهر في العديد من الآيات القرآنية منها قوله تعالى: “فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ” سورة محمد آية 21
وهنا يظهر لنا أهمية الصدق مع الله والخير الكثير الذي يناله الصادقون.
ب- الصدق في القول:
وهو ما يظهره الإنسان بلسانه، وقد أمر الله عزّ وجلّ ورسوله (ص) الناس بأن يتكلموا بالصدق أو أن يصمتوا، ومن المواقع الكثيرة التي تدل على هذا النوع قول النبي الكريم (ص): “ومَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّه والْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْراً أَوْ لِيَسْكُتْ”.
ت- صدق الإنسان في عمله:
يظهر صدق الإنسان في عمله من خلال عدة مظاهر وعلامات أبرزها: (أن يتطابق ظاهر العمل مع باطنه، إن المؤمن يسعى ليتقن عمله ويقدمه بأفضل شكل ممكن، يكون عمل المؤمن متبعاً لأوامر الله تعالى ونواهيه، مع الاقتداء بالسنة النبوية الشريفة).
ث- الصدق في النيات:
إن النية هي الباعث الأساسي لأي قول او فعل يقوم به الانسان، والمؤمن الصالح هو الذي يعبّر بفعله وقوله عن باطنه، فيكون الإخلاص والصدق أساس عمله، وهذا يتضح من خلال قوله تعالى: “وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ” البينة آية 5
ج- الصدق في العزم:
ويقصد بهذا النوع من الصدق هو أن يكون المؤمن عازماً وجزماً على أن يقول الصدق ويعمل الخير بشكل دائم، أما مصداق هذا النوع من الصدق فنجده في الآية الكريمة: “رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْه” الأحزاب آية 23.
وبعد كل ما ذكرناه نكتشف أن الصدق منجاة المؤمن، وبأنه من السمات الأساسية للمؤمنين الراضيين المرضيين.