تسبب الطقس في مصر وموجة المناخ السيئ الذي تمر به البلاد، في غرق الشوارع والطرقات، وأطلقت الأجهزة عربات شفط المياه، ورفعت مؤسسات الدولة درجة الاستعداد القصوى، لمواجهة خطر ما يعرف بـ”عاصفة التنين”.
وشهدت محافظات مصر، سقوط أمطار متوسطة وغزيرة، وطقس غير مستقر، وسط توقعات لهيئة الأرصاد الجوية بأن تشهد محافظات مصر مزيدًا من الطقس غير المستقر على كافة الأنحاء يستمر حتى السبت المقبل.
وحذرت الحكومة المصرية المواطنين من الاقتراب أعمدة الإنارة وركن السيارات بعيدًا عن الأشجار ولافتات الإعلانات، والالتزام بالمنزل، إلا أن البعض رفض ذلك، وانطلق في الشوارع لالتقاط الصور السيلفي، وسط توجيهات بترشيد الاستهلاك في مياه الشرب، تحسبًا لانقطاع المياه لانشغال شبكات الصرف بسحب مياه الأمطار.
شبكة صرف جامع أحمد بن طولون تتحدى العاصفة.. نصرت العمارة الإسلامية القديمة وقهرت التكنولوجيا الحديثة
وتسببت حالة الطقس في القاهرة اليوم فيما وصفه سكان القاهرة القديمة وأطلقوا عليه عبر صفحات التواصل الاجتماعي، الحاكم بأمر الله بيغرق، بسبب سقوط الأمطار والأحوال الجوية السيئة.
ويعتبر جامع الحاكم بأمر الله من أبرز معالم الآثار الإسلامية فى شارع المعز لدين الله الفاطمى، حيث بنى بطراز فريد من نوعه، وانتهت أسواره بأشكال مميزة ذكر أنها اختيرت بهذا الشكل اعتقادًا بطرد الأرواح الشريرة من المكان وحمايته، يرجع إنشاؤه لعصر العزيز بالله عام 393هـ واستكمل بناءه نجله الحاكم بأمر الله فى رمضان سنة 403هـ، وهو الحاكم الذى أشيعت حوله العديد من الروايات التى أكسبت المسجد شهرة خاصة.
يرجع تاريخ الجامع إلى أواخر القرن التاسع الميلادي، الثالث الهجري (379 هـ – 989 م) حينما أمر الخليفة الفاطمي الخامس “العزيز بالله” ببناء مسجد كبير خارج سور القاهرة في ذلك الوقت نظرًا لعدم استطاعة الجامع الأزهر استيعاب الكم الهائل من المصلين إلى جانب عدم قدرته على إقامة مراسم الخلفاء، أثناء فترة بنائه توفي الخليفة وتوقفت أعمال البناء حتى أمر الخليفة الجديد “الحاكم بأمر الله” ابن الخليفة الراحل بتكملة البناء حتى انتهى عام (402 هـ- 1012 م) ولهذا سُمّي مسجد الحاكم بأمر الله نسبة إليه.
ومن القصص التى أشيعت حول الحاكم بأمر الله أنه كان محبًا للملوخية، وسميت بعهده بالملوكية أى أكلة الملوك، وبعد علمه بانتشارها فى بيوت العامة منع أكلها، وذكر الكثير من المؤرخين حيرتهم حول فترة حكم الحاكم بأمر الله بسبب تصرفاته وأوامره المتناقضة، مثل منع أكل الملوخية وأكل السمك من دون قشر، ومنع ارتداء الشباشب.
ما يميـز هذه التحفة العتيقة عن سائر الآثار الإسلامية في مصر لم يكن تصميمه الراقي ولا الفن المعماري العتيق ولا حتى هدوؤه الخـاص، لكن تفرده يأتي لتأثره بكافة الأحداث التاريخية التي مرت عليه بشكل استثنائي رسمت معها منحنى من الصعود والسقوط، بداية بدولة الفاطميين مرورًا بالمماليك والعباسيين حتى عصر الجمهورية!.
أما عن وضعه الحالي، فهو يقع بنهاية شارع “المعز لدين الله الفاطمي” بحي الجمالية، ملاصقًا لباب الفتوح، حيث يحدُّه من الشمال سور القاهرة الشمالي القديم، يجاوره شرقًا وكالة قايتباني وباب النصر، والجهة الغربية تحوي على المدخل الرئيسي على شارع المعز، أما بالنسبة للجنوب فهي منطقة سكنية أقرب ما تكون للعشوائيات!.
مرّ على الجامع الكثير من الأحداث التي غيّرت من وضعه داخل أروقة الدولة الفاطمية، بدايتها كانت مع تعليمات من الخليفة “الحاكم بأمر الله” بإقرار التدريس في الجامع، والسماح لعلماء الأزهر بالتدريس والالتحاق به، وبذلك القرار أصبح ” الجامعة الرابعة فى مصر” بعد جامع عمرو بن العاص وجامع أحمد بن طولون وجامع الأزهر.
آخر التغيّرات كانت تلازمًا مع تجديد الخليفة “المستنصر” لسور القاهرة الشمالي وضم الجامع داخله، وبالتالي أصبح جزءًا هامًا داخل قاهرة المعز.
و عندما جدد المستنصر سور القاهرة الشمالي، وأدخل الجامع داخل الأسوار، جدد بعض أجزاء المئذنة الشمالية ليتناغم مع عمارة سور القاهرة.
– في عهد المماليك حدث زلزال قوي عام (702هـ -1312م ) أدى إلى تصدع الكثير من أجزاء الجامع وسقوط أجزاء من المئذنة، فأمر “ركن الدين بيبرس” بعمل الإصلاحات اللازمة.
وفي عهد الخلافة العباسية جدد “الناصر حسن بن محمد بن قلاون” المسجد وكسو أرضية الجامع بالرخام، أما في أوائل القرن الثالث عشر قام نقيب الأشراف “السيد عمر مكرم” بتجديد بعض أجزاء المسجد وكسا القبلة بالرخام، كما أضاف بجوارها منبرًا ومحرابًا، وكانت هذه آخر فترة الاهتمام بالجامع الحاكم.
في بداية القرن الخامس عشر تعرض المبنى للإهمال الشديد حتى وصلت به الحال إلى شبه بقايـا! مما نتج عنه الكثير من الأحداث المأساوية: أول هذه الأحداث كانت تلازمًا مع دخول الحملة الفرنسية، حيث أصبح الجامع في هذه الفترة مقرًّا رئيسيًّا لجنود الحملة، وتحولت مئذنتاه إلى برجي مراقبة! وهذا التصرف يدل على الإهمال الكارثي الذي وصل إليه جامع الحاكم حتى وصل إلى مبنى مهجور!، وفي بداية القرن الثامن عشر وبعد خروج الحملة الفرنسية أقام فيه مجموعة من بلاد الشام، وجعلوه مكانًا لصناعة الزجاج ونسج الحرير!.
في أواخر القرن الثامن عشر تحول المكان إلى مخزن ومتحف إسلامي للحفاظ على التراث العربي الإسلامي من الوفود الأوربية “الســارقة” في ذلك الوقت، وأطلق عليه اسم “دار الآثار العربية” كأول متحف إسلامي من نوعه، لكن في أوائل القرن التاسع عشر نُقلت التحف إلى مبنى جديد بباب الخلق سُمي “متحف الفن الإسلامي” كأكبر متحف إسلامي فى العالم، وبعد هذا الحدث بسنوات قليلة تم بناء مدرسة صغيرة فى صحن الجامع، عُرفت فيما بعد باسم “مدرسة السلحدار الابتدائية”.
ومع إقامة المدرسة أصبحت أروقة المسجد فارغة، لينتهى بها الحال إلى مخازن لتجار المنطقة المحيطة بالجامع!.
في أواخر القرن الماضي وبالتحديد في عهد الرئيس المصري الراحل “محمد أنور السادات” تقدمت طائفة “البهرة الشيعية” بطلب إلى الحكومة المصرية لتطوير وترميم وإعادة تهيئة الجامع بجهودهم الذاتية، وذلك يرجع إلى مكانة “الحاكم بأمر الله” عندهم التي تصل إلى درجة القدسية، لأن طائفة البهرة يرجع تاريخها إلى العصر الفاطمي في الأساس.
على أي حال قُبل طلبهم وحدث ذلك بالفعل وقامت أعمال تطوير وترميم عظيمة بالمسجد، لكن للأسف معظم هذه الأعمال لم تكن تتناسب مع طابعه المعماري الإسلامي العتيق، وهذا يظهر بوضوح داخل أروقة الجامع (أعمال محارة – إضافة محراب – غيرها)، لكن ذلك لا يمنع أنها أعادت المسجد إلى الحياة مرة أخرى وأعادت إليه بهاءه كما في السابق.
المُلفت هنا هو عدم المساس إطلاقًا بعمارة المأذنتين، سواء من ترميم أو تطوير وتُركتا على حالهما منذ أكثر من 10 قرون.