هل تفتح أحداث سيطرة طالبان على مقاليد الحكم في كابول أعين التنظيمات الإرهابية للهيمنة على العالم؟
الدكتور محمد صادق إسماعيل مدير المركز العربي للدراسات السياسية والاستراتيجية في حواره لـ “الريادة نيوز”:
– خسائر أمريكا تجاوزت التريليون والـ 100 مليون دولار و2500 قتيل في مواجهة طالبان
– الانسحاب الأمريكي من أفغانستان كان نصرًا معنويًا كبيرًا للجماعات الإرهابية
– ترحب بعض الدول على استحياء بعودة طالبان على رأسها تركيا
– وجود طالبان يهدد الأمن الأسيوي في مقتل والحل العسكري لن يُجدي
– الصين يعنيها منطقة طريق الحرير “الحزام والطريق” ومصالحها في بحر الصين الجنوبي
منذ ربع قرنٍ تقريبًا تأسست جماعة طلابية مسلحة في أفغانستان باسم الدفاع عن الأراضي المحتلة، على يد الجهادي الملا محمد عمر، وأُطلق عليها اسم “طالبان” ومعظم منتسبيها هم من الطلبة من مناطق البشتون في شرق وجنوب أفغانستان الذين تلقوا تعليمهم في مدارس إسلامية تقليدية، وقاتلوا خلال فترة الحرب السوفيتية ـ الأفغانية التي دامت أكثر من 10 سنوات تقريبًا.
في غضون أشهر، تحولت الجماعة إلى قبلة المجاهدين باسم الدين، وانضم إليها 15000 طالب أكثرهم من اللاجئين الأفغان من المدارس الدينية في باكستان، واعتبر الحكم الشرعي في مذهبها حكماً واحداً لا يحتمل الأخذ والرد حوله، ومن ثم يصبح تنفيذ الأحكام الشرعية لدى طالبان حتى وإن كانت هناك مذاهب أو آراء أخرى تخالفها واجباً دينياً لا مفر من تنفيذه.
اليوم، تحولت أفغانستان كمدينة أشباح بعد وصول طالبان إلى الحكم وسيطرتها على مقاليد الأمور في العواصم الأفغانية، واتجه الزحف نحو المطارات، وبدأت الدول في سحب رعاياها واللاجئين الدبلوماسيين من هناك، خوفًا من الجماعة التي لا تعرف سوى لغة الدم والسيف والرصاص وحديث القتل والترويع والإرهاب.
الخوف من المجهول كان جعل الشباب يتشبث بعجلات الطائرات المغادرة للأراضي الأفغانية، ليتساقطوا واحدًا تلو الآخر من الفضاء، وكأن قُدر لهم الموت على رمال أفغانستان.
الآن.. يترقب العالم وقلبه يتوجس خيفة مما يحدث في آسيا الوسطى، ماذا سيحدث؟، وكيف ستتغير الخريطة السياسية والأمنية للكرة الأرضية؟، وكيف سيكون التعامل مع هذه الأوضاع؟، في ظل التردد والتخبط في الآراء بين من يرى أن هناك هزائم وجرس إنذار بخطر يجتاح العالم بمحاولات جديدة للجماعات الإرهابية بإثارة الفوضى والوصول إلى الحكم، ومن يرى أن خسائر ومصالح اقتصادية وسياسية في حاجة إلى دراسة جديدة للتعامل مع الموقف، ومن يرى أن ثمة كارثة أصابت العالم، ومن يرى ضرورة التعامل مع الموقف الراهن بصور أخرى.
الدكتور محمد صادق إسماعيل مدير المركز العربي للدراسات السياسية والاستراتيجية وأستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية في منطقة الخليج، في حواره لـ “الريادة نيوز“، يكشف كيف سيؤثر وصول طالبان إلى السيطرة على مقاليد الحكم في أفغانستان على العالم العربي والغربي وكذلك الجماعات الإرهابية؟.
وإلى نص الحوار:
• بعد سيطرة طالبان على سدة الحُكم في أفغانستان.. كيف ترى الوضع في المنطقة الآن؟
سيطرة طالبان على مفاصل الدولة في أفغانستان بعد سيطرتها على العاصمة كابول يطرح تساؤلات عديدة، أولها وأبرزها هو: ماذا كانت تفعل الولايات المتحدة الأمريكية طيلة 20 عامًا في أفغانستان منذ احتلالها في 2001 بدعوى نشر الديمقراطية وحقوق الإنسان والقضاء على الجماعات المتطرفة؟.
لكن السؤال الآن، هل نجحت الولايات المتحدة الأمريكية؟، وإلا لما أخرجت جنودها ورعاياها من أفغانستان؟، وأين مهمة إضعاف حركة طالبان التي دخلت الأراضي الأفغانية من أجلها؟، بالطبع هناك مسألة ما في سيناريو خروج الأمريكان وعودة طالبان بهذه القوة المفرطة لتكن أقوى مما كانت عليه.
• هل يعني ذلك أن ثمة مواجهات صريحة قد تحدث بين أمريكا وطالبان الفترة المقبلة؟
البعض يقول إننا نحن لم نر الآن مواجهة حاسمة بيت طالبان والولايات المتحدة الأمريكية، لكن هو العكس تمامًا، فمجلة فوربس الأمريكية تتحدث عن أن خسائر أمريكا تجاوزت التريليون والـ 100 مليون دولار و2500 قتيل وعشرات الآلاف من المصابين من القوات الأمريكية، وهي أمور تستدعي تساؤلات كبيرة وعريضة حول الأوضاع في الأراضي الأفغانية ودور أمريكا في أفغانستان.
• وما الدور الأمريكي في الأراضي الأفغانية؟
هناك دائمًا تساؤل قديم جدًا عندما حول الصراع بين الولايات المتحدة الأمريكية وبين الأيدولوجية الليبيرالية الغربية وصراع الإسلام السياسي بعد هجمات 11 سبتمبر بعدما تعالت أصوات صراع الأيدولوجيات ورأينا بعض المفكرين مثل صموئيل هانجتون يتحدث عن صراع الحضارات والمفكر الأمريكي الياباني الأصل ميشيل فوبايمت يتحدث عن نهاية التاريخ من خلال الانتصار لليبرالية الغربية والقضاء على الحضارات الأخرى حتى أن بعض المنظرين الأمريكية مثل وزير الدفاع الأمريكي رمسي هيلد أطلق تعبير “يكرهوننا”، ورد عليه ضياء الدين سرتار الأمريكي من أصول عربية بكتاب “لماذا يكرهون أمريكا؟”.
كلها أمور توحي بصراع الأيدولوجيات عائد مرة أخرى بقوة من خلال أمريكا التي روجت في 2001 حتى 2010 عن صراع الأيدولوجيات ومن ثم كان الترويج للثروات العربية فلم تفلح فعادت لاستخدام ورقة طالبان مرة أخرى لاستخدام فكرة الأيدولوجيات والصراع بين الحضارات والثقافات وكلها أمور معلومة جدًا، خاصة وأن تأثير المفكرين الأمريكيين قرأناهم عبر التاريخ.
• كيف سيؤثر وصول طالبان إلى السيطرة على مقاليد الحكم في أفغانستان على الجماعات والتنظيمات الإرهابية؟
أتصور أن تأثير طالبان كان كبير جدًا هذه المرة، والانسحاب الأمريكي من أفغانستان كان نصرًا معنويًا كبيرًا للجماعات الإرهابية والتنظيمات الدينية المتشددة والجماعات المتطرفة والتي لا أقول إنها إسلامية لأن الإسلام بريء منها تمامًا، وربما يكون هناك إمكانية خلال الفترة المقبلة بانصهار بعض الجماعات تحت لواء طالبان خاصة فروع تنظيم داعش وبعض فروع تنظيم القاعدة وغيرها.
• وماذا عن العالم.. كيف ستتأثر الدول بوصول طالبان؟.. خاصة ورأينا بعض التصريحات الدولية التي تميل للحركة
أتصور أيضًا أن ترحب بعض الدول على استحياء بعودة طالبان، وسيكون على رأس تلك الدول تركيا، وهناك دول أخرى ستتأثر بوجود طالبان أولها الدول المحيطة بأفغانستان في منطقة آسيا الوسطى، خاصة أن طالبان تمثيل تهديدًا مباشرًا من قبل على هذه المنطقة.
فأنا أتخيل أن المشكلة الأكبر تحيط بالدول المحيطة بأفغانستان سواء الدول الوليدة أو الدول الخارجة من عباءة الاتحاد السوفيتي السابق مثل “أذربيجان – أجاكيستان” وما إلى ذلك.
• وكيف ترى موقف روسيا تجاه الأحداث في أفغانستان وموقفها من طالبان؟
روسيا اهتمامها الكبير هو عدم الإضرار بمصالحها في المنطقة، هي لا تريد إعادة سيناريو الحرب السوفيتية في أفغانستان التي كانت بمثابة استنزاف عسكري واقتصادي لروسيا – الاتحاد السوفيتي سابقًا – لكن ما يعنيها هو وجود مصالحها، حتى أن التصريحات الروسية تتحدث عن أن طالبان لا تريد إحداث أي نوع من الضرر بالأمن الأسيوي .. وهذا هو موقف روسيا.
• وماذا عن موقف الصين؟
موقف الصين هو موقف ينظر إلى طريق الحرير أو ما يُطلق عليه الحزام والطريق الذي يمر عبر أفغانستان وهو ما يعنيها، فضلًا عن مصالحها في بحر الصين الجنوبي.
• ماذا عن موقف الدول العربية تجاه تلك الأحداث أيضًا؟
موقف الدول العربية هو موقف رافض وواضح، هو موقف لا يريد أبدًا إلى نقطة الجدل بين الإسلام والغرب مع العالم الخارجي حول صراع الحضارات والأفكار والثقافات، خاصة وأن هذا الموضوع منذ عام 2001 كان كابوس في الرأس بمحاولات الإثبات للعالم أن الإسلام لا علاقة له بهذه التهمة، فالإسلام ليس له علاقة تمامًا بالإرهاب، إنما هو دين حضاري سلمي يبعد كل البعد عن هذا التطرف، هو دين يحافظ على الآخر كما يحافظ على المسلمين.
• ما السيناريو المحتمل من العالم العربي والدولي في التعامل مع طالبان؟
العالم الآن لديه عدة فرص، الأولى أن المكتب السياسي لطالبان في الدوحة، واعتقد أنه من الممكن بدء علاقات مع جانب طالبان من خلال البحث عن أُطر لمأسسة طالبان التي تحكم أفغانستان الآن كأمر واقع، لنبحث ونفرض تغيير توجهات هذه الحركة من خلال ممارسة الضغط من قبل المجتمع الدولي عليها، وهو ما سيكون نتائجه صورية بشكل كبير من أجل تجميل الصورة وليس بشكل فعلي وواقعي.
هناك عدة تيارات داخل طالبان نفسها، منها تيار يسعى للمصالحة السياسية وهو موجود في الدوحة، ومنها التيار الذي يسعى إلى عودة صورة تنظيم القاعدة، ومنها من يسعى لعودة التيار المتشدد الموجود الآن في كابول.
• هل الخيار العسكري مطروح أمام العالم في التعامل مع طالبان؟
البعض يرى أن الحل في التدخل العسكري الأمر الذي أراه غير مجدي بهذه الصورة، بسبب الطبيعة الجيوغرافية والبيئية والجيوسياسية لأفغانستان، بالإضافة إلى طابع طالبان العسكري، لا ننسى أنه منذ الاحتلال السوفيتي وطالبان لم تنته وموجودة بالفعل، بالإضافة إلى جائحة كورونا الموجودة حاليًا التي لا تسمح بأن تتحمل أي دولة من الدول تحمل نفقة حروب عسكرية على دولة أخرى، خاصة وأن هناك واقع فاض نفسه بخروج بعض الدول المحتلة لأفغانستان من هناك بسبب هذه الجائحة.
• وما الحل في التعامل مع هذه الأوضاع؟
لدي يقين بأن الحل يكمن في الجدالية السياسية وليس في الحل العسكري الذي لن يفيد مع وجود طالبان، خاصة وأنها الآن تستقبل “المجاهدين الجدد” الفارين من أوطانهم باحثين عن مأوى آخر داخل في أفغانستان ولن يجد أفضل من طالبان الآن.
هذا الموضوع هو موضوع خطير جدًا، يهدد الأمن الأسيوي في مقتل وربما يسعى إلى تأجيج نوع من جذرية الصراع بين الحضارات والثقافات، وربما توحي بأمور عدة وأكثر من سيناريو يمكن توقعه.