استمرارًا لمسلسل الكذب الذي كذبته من قبل في 30 يناير 2017 بعنوان “فلتعش صحافتنا حرة – نزيهة – بخير”، الذي تحدثت فيه عن مهنتنا العريقة وما تتمتع به من صدق في تداول المعلومات ونشر الأخبار واحترام لميثاق الشرف المهني والأدبي والأخلاقي، استأنف اليوم حلقة جديدة من حلقات هذا الكذب.
الحقيقة إن صحافتنا التي لا تعيش “حرة – نزيهة – بخير”، لم تتجاوز فقط أدبيات وأخلاقيات المهنة، ولكنها أصبحت إحدى آلات صناعة الكذب نفسه، وأداة من أدوات صناعة المثقفين وأصحاب الفكر والرؤى وصفوة المجتمع، ورغم أن محاولة خلق مبررات لهذا الفعل هو أمر مرفوض لكنها الحقيقة وللأسف، فالأوضاع المتردية للمهنة وللصحفيين والإعلاميين هي إحدى الأسباب، حتى ما لم تصبه هذه الظروف والأوضاع شارك أيضًا في هذا الجُرم القبيح.
ولأنني اعتبر نفسي أيضًا مشاركًا فيه، دعونا نوضح أولًا أن هناك فارق كبير جدًا بين المستشار الإعلامي وبين صانع الفكر والثقافة والرؤية المزيفة، فالمستشار الإعلامي دوره وعلى قدر ما أفهم أن يوجه المؤسسة أو الشخص إلى الطريق والسبيل الصحيح والشكل السليم لبيان رؤياه بشكل إعلامي يليق به ولا يخرق أصول وقوانين المهنة وبصورة تحترم الجمهور المستقبل وتجذبه بالتأكيد.
أما صانع الإجرام أمثالنا، فهم من يأتون بأشخاص لا يمتلكون رؤى ولا فكر ولا تعرف عقولهم وأيديهم سوى لغة المال، ونصدرهم للرأي العام على أنهم هؤلاء النخبة وصفوة المجتمع من المفكرين والمثقفين والملهمين، فبالله عليكم كيف لشخص لا يعرف أن ينطق اسمه أحيانًا، وحتى لا نكون جناة، فقد يعرف اسمه ويمتلك المال والملابس الشيك وقادر على التواصل مع بعض الشخصيات لكنه لا يعرف معنى كلمة قانون مثلًا أو لا يعرف تعريف واحد للسياسة ولا يدري ما دور مجلس النواب ولا مجلس الشيوخ وما الفارق بينهما، وهل نحن دولة جمهورية أم دولة مملكة أم خلافة.
الحقيقة أن المصدر لا يدري سوى أن هذا صحفي يستطيع أن يكتب له بعض الكلمات تجعل منه نابغة عصره ويفهم في كل المجالات المختلفة سياسية واقتصادية واجتماعية وسياسية وحتى سياحية، فيغمزه بـ “بوكت ماني”، ويتم توزيع كلماته على بعض الصحف الصديقة ويصبح مصدرًا قويًا توزع بياناته المناسبة للحدث أيًا كان ويتم نشرها ومن ثم يكون الأجدر بمناصب تحتاج إلى عقل رشيد.
للأسف ولأن هذا هو الوضع الآن، بأن غالبية الصحفيين يعملون بهذه الطريقة لسداد احتياجاتهم اليومية بعدما تردت الأوضاع المادية والحياتية لهم، وأنا بالطبع لا أبرر ذلك، لكن فقط أردت بيان الحقيقة لكم حتى لا تنخدعوا.
وإنني لأرى في بعض هؤلاء الزملاء أنهم الأحق والأجدر من هؤلاء في بعض المواقع التي وصل إليها من يفعلون لهم ذلك، لأنهم هم الذين وضعوا لهم الفكر والرؤى والثقافة التي جعلت منهم مؤهلين للجلوس في أماكنهم الآن، وهو أمر يصعب على النفس تقبله بسهولة، ورغم إيماني بأن الله قدر لكل منا نصيبه، فوالله ليس بهين أن تكون آلتك التي صنّعتها ولمّعتها هي التي تحتل مكان أنت الأجدر والأحق به.
ومرة أخرى وليس بأخيرة.. ما أتمناه هو أن تعيش صحافتنا حرة.. شاهرة أقلامها بالحق.. تدافع عن الحق.. وتدعو لقيام دولة الحق.. لها مكانتها وقيمتها وقدرها من الاحترام والتقدير…