هذا أبي.. منذ أن أدرك بصري ألوان الدنيا، وعرفت بصيرتي وعقلي معني حروف كلمة حياة، ووقعت أضواء رموشي عليها، وبدأت أعي ما حولي، وأنا أجد هذا البطل الذي يشق بسفينته أمواج المعيشة الصعبة، بسيف سحري، غير عابئ بتلك الأعباء وهذه المتاعب.
لم يكل ولم يتعب ولم ييأس لحظة، طموح، قوي، شجاع، مغوار، لا يهاب أحد إلا بارئه، لا تطأ رأسه إلا ساجدة لخالقها، لا تبسط يداه إلا بدعوة للمولى عز وجل، ولا ينشق قميصه إلا لأحضان أعمال الخير ومساعدة الناس، ولا ينطق لسانه إلا بحكمة من عقله.
صبحي معروف عيد، والدي الذي غرس فينا التحلي الخُلق، لا تتحول إلى عنيف إلا إذا مس أحد كرامتك، ولا تنزع حقك بالزور أو بالظلم، انتزعه بدمك بأصول وجبهتك عالية تستند على جبهة أعلى نجم في السماء، لا يقدر زلزال بقوة 10 ريختر أن يهز ثباتك وثقتك في نفسك مهما كان نفوذه وقوته وسلطته.
هذا الفلتة، الذي لم أعرف صديق مثله، ولا حضن دافئ بوسع العالم يسكن لمسة يده يشبهه أبدًا، أخي وصديقي وأبي وعمري كله، على الرغم ما انتزعه منه أثناء وداع روحه لجسده، إلا أنه مازال باقٍ فينا، باقٍ بهؤلاء الذين يبتسمون في وجوهنا بمجرد رؤيتنا أو العلم بأننا نحمل اسم هذا الرجل، باقٍ بتلك الحكايات والروايات والذكرى الحسنة التي نراها ترتسم على لسان كل من يعرفنا، باقٍ بلا حدود في عيون أصدقائه ومعارفه وزملائه، باقٍ بما حفره فينا من معانٍ ومبادئ ثابتة أقسم بها كل من رآنا ونطق بأن “اللي خلف ما ماتش”.
هذه الأسطورة، التي وطأت إلى الأرض في الـ15 من يناير 1960، على تراب مدينة بسيون في محافظة الغربية، وكافح مع عائلته في العمل بالفلاحة والأعمال الأخرى، وشارك في العديد من النشاطات السياسية والاجتماعية والمجتمعية، حتى تسلم وظيفته في القوى العاملة، في مكتب عمل بسيون، ثم أسوة بعمه الزعيم الراحل محمد عيد، التحق بحزب الوفد وعشق ثوابت بيت الأمة، وتتلمذ على يد أساتذته وقياداته وزعمائه، وعلى رأسهم ممتاز باشا نصار، وعبدالفتاح باشا نصير، وغيرهم من زعماء الوفد، ثم عمل مراسلا لجريدة الوفد بالغربية منذ عام 1999 ومحررا بجريدة وفد الدلتا منذ عام 1996.
في عام 2003 تأسس اتحاد العمال الوفديين، والتحق به أبي، وبشهادة زملائه الذين ألقاهم حتى اليوم، أنه كان عضوًا فريدًا فكريًا وعمليًا وتنفيذيًا حتى حصد منصب أمين صندوق الاتحاد، هذا بالإضافة إلى عمله مساعدًا لأمانة صندوقة لجنة الوفد ببسيون، ثم أمينًا للصندوق، ثم نائبًا لرئيس اللجنة.
حصل أسطورتنا على على جائزة الكاتب الكبير مجدي مهنا لأفضل صحفي لعام 2009 عن موضوع الانفلات الأمنى وانتشار البلطجة، و مثل الوفد في المحليات واختير كأفضل عضو معارض بمجلس محلى مدينة بسيون، تم تكريمه من جامعة الأزهر بطنطا في المؤتمر العالمي الذي عقد بطنطا حول تطوير الخطاب الديني، كما تم تكريمه أكثر من مرة خلال المؤتمرات الطبية والرياضية بالغربية، ومثل الوفد في المؤتمرالعالمى الذي تنظمه منظمة الصحة العالمية للاحتفال بأسبوع التطعيم بمحافظة الغربية بصفة دائمة.
شار ك أبي صبحي معروف عيد، في تنشيط حركة حزب الوفد بالغربية من خلال تنظيم المسابقات الدينية والنشاطات الاجتماعية، والمشاركات المجتمعية والخدمية، التي نالت إعجاب الكثير من اهالى مركز ومدينة بسيون رغم قلة الموارد المالية.
كان مثله الأعلى عمه زعيم الطلبة رحمه الله الزعيم محمد عيد المحامى عضو الهيئة العليا للحزب لأكثر من دورة والذي أفني حياته من اجل رفع كلمة الحق والدفاع عن الحريات ومجد الوفد والذي رشح نفسه ضد جمال عبد الناصر عام 1967 واعتقل لسنوات وأفرج عنه ثم اعتقله السادات وافرج عنه مبارك بعد ذلك.
وكنا آخر عمله مع الوفد هو ترشحه على مقعد الهيئة العليا عام 2010 قبل ثورة 25 يناير، وأسس وكالة مصر البلد الإخبارية في مايو 2012، ثم وافته المنية في 8 أكتوبر 2014، وودعه أحبائه وأصحابه وكل من عرفه وسمع عنه في مشهد مهيب، ذلك الذي قال عنه أحد المعزيين أنه مشهدًا كان يشبه جنازة أحد عظماء الوطن، “الشعراوي مثلًا”، حتى كان أطول عزاء من حيث الوقت، استغرق فترة زمينة طويلة، تلى فيها القارئ ما يقرب من 11 جزءًا من كثرة المعزيين.
هذا أبي الذي أفخر به وسأظل فخورًا به حتى آخر أنفاسي.