تنشر “الريادة نيوز” مقال اسعاد يونس ، الفنانة والإعلامية الشهيرة، تحت عنوان «البت فتحية» كامل، نقلاً عن “المصري اليوم”.
مقال اسعاد يونس «البت فتحية»
■ فى الزمانات كان من الطبيعى أن يدق رجل من الفلاحين الباب مصطحبا صبية صغيرة فى يده وعارضا على الأسرة أن تقوم باستضافتها وتشغيلها.. مين دى يا عم نبرواى؟؟.. قالك دى فتزحية.. بت طيبة وغلبانة وعايزة تعيش.. شغليها ياست الله يفتح عليكى.. أيوه ياعم نبرواى بس أنا عندى دادة أمينة شايلة البيت على كتافها ومقدرش أفرط فيها.. ياست أهه تساعد.. ده بت مش حاتسمعيلها صوت ومنكسرة.. دى أغلب م الغلب.. واستفاض فى شرح مأساة ولا كلمة منها حقيقى طبعا..
■ ماما ما قصرتش كالعادة فى الظروف دى وعينيها رغرغت بالدموع وقالتله: طيب خليها تدخل.. واجتمعنا كلنا نشوف الزائرة الجديدة اللى حاتشرف وتآنس..
■ كانت فتزحية كائنا بلا ملامح.. راسها عاملة زى قالب الطوب الأحمر.. مستطيلة بزوايا قايمة.. خارج منها تشكيلان.. ودنتين شبه ودان القطة بجد.. وضفيرتين فى قوام السيجارة ملولوين وكاشين م الذعر.. أما الوجه فكان شوية حاجات كده تتيح التنفس والرؤية وأحيانا الطعام.. خرمين مكان العينين بلا سحبة ولا رموش ولا قبة ولا ننى باين ولا لون.. خط زى نص الطبق كناية عن بُق.. شوية شعر منطورين تعبيرا عن الحواجب، لكن واحد لازق فى سقف قورتها والتانى سارح لوحده فى وشها كده ماتعرفش موقعه المفروض يكون فين.. وبروز أفطس فارش بالعرض إشارة إلى المراخير عبارة عن كتلة لحمية مكببة وفيها خرمين أوسع من خرم الإبرة هسة.. القصد كائن صعب تصنيفه أو فهم ألغازه..
■ إزيك يا فتحية؟؟.. خرج تزييق نشاز أخنف يقول حند الله.. مين؟؟.. حند الله.. آه الحمدلله.. شكلنا حانعانى فى التواصل.. ماما بصتلى بصة حافضاها كويس.. بادرت بالاعتراض دفاعا عن شبابى ومستقبلى وصحتى.. ليه أنا؟؟.. ليه دايما أنا؟؟.. مش بنتى الكبيرة وسندى وضهرى؟؟.. أمال مين حايساعدنى غيرك؟؟.. ودادة أمينة واخدة شهر أجازة ومفيش غيرك.. قومى..
■ يبدو أنه كان تقليدا طبيعيا فى هذه الآونة.. البت من دول تيجى فنحميها أو نجلطها وندلق عليها جاز، ثم نسلك الفروة التى من المفروض إنها شعر، ثم نقوم بتفليتها كأننا بننقى الدودة واللطع.. وفى حالة فتزحية كنا كأننا اقتحمنا مستعمرة هنود حُمر.. فقد كان القمل بيفط وينط ويقاوم بشدة ويقفز قفزات انتحارية من نافوخها لينتشر فى أرجاء الحمام وإحنا وراه بالشبشب.. وكان من الطقوس أيضا فى السكة كده أن نلاحظ إن كان فيه أى علامات لجرب أو تينيا أو سنطة.. سلو يعنى.. وبعدين نحرق كل هدومها اللى هى فى العادة مش جاية بيها.. حيث كانت البؤجة غالبا ما تتربط على شوية هلاهيل أملا فى هدوم جديدة من أهل البيت.. ومين أهل البيت اللى دايما بيتقلّب ف دولابها.. العارفة المؤمنة بالله جنابى..
■ قعدت فتحية بعد ما اتغيرت م الحموم وفقدت نص وزنها م الجلخ اللى اتشال واحمرت وزنهرت كده م التلييف وهو موجهة راسها ناحيتنا.. المفترض باصالنا بس مش شايفين إحنا تعبيرات عينين ولا وش ولا نيلة.. فى الغالب كانت بتسبنا فى سرها على ماتش تغيير المعالم اللى حصل فيها منذ لحظات.. ياللا يا فتحية كُلى عشاكى عشان تقومى تنامى.. لأ.. طب قومى نامى.. لأ.. هو إيه اللى لأ؟؟.. برضه لأ.. خدناها وريناها سريرها ودولابها وخرجنا.. ركزت اتجاه وشها للسرير بقرف شديد لم نلمحه على وجهها ذو المعالم الممحية.. ولكننا شعرنا من الزومة اللى زامتها كإنها جاموسة تعانى من عسر الهضم.. تركناها وخرجنا.. لكن بما إن الفار كان قد بدأ يلعب فى عبنا من ناحيتها.. فقد عدنا بعد دقائق لنطمئن عليها فلم نجدها فى فراشها.. يوه.. هى البت فتزحية لحقت تهرب؟؟.. طب حانقول إيه لعم نبراوى؟؟.. وبالبحث والتحرى فوجئنا إنها دخلت نامت تحت سريرى أنا!!.. وقفت أتأمل الموقف.. طب حاجيبها إزاى دى؟؟.. اتقلبت على وشى فى الأرض عشان أبقى على مستوى مخاطبتها.. بتعملى إيه عندك يا بنتى؟؟.. حندالله.. الحمدلله على كل شىء بس إيه الفكرة من إنك تلبدى فى الحيط تحت السرير كده؟؟.. وبينى وبين نفسى قلت يا عينى البنت منكسرة وخايفة مننا لا نعذبها حسب سمعة بعض البيوتات ساعتها.. قعدت أطمنها وهى بتلزق فى الحيط أكتر كإنها عايزة تخش جواه، وأقنعها تطلع محدش حيإذيها.. ما اقتنعتش.. قلت طيب نسيبها الليلة دى عشان تطمئن أكتر وأمرى لله.. مانا الضحية دايما.. تخيل نفسك نايم على سرير فيه مخلوق مزروع تحته بلا أى مبرر..
■ توجه أفراد الأسرة الكرام كل إلى فراشه.. وطفوا الأنوار.. واتفردت أنا على السرير.. كائن عاوز ينام بقى.. حيث جرت العادة أن يتمدد الإنسان فاردا جسمه على السرير إذا كان حاينام.. محدش قالنا إن إجراء النوم ممكن يتم والواحد قاعد مجعمز فى سريره أو مرعوب فمقرفص فوقيه.. ولكنى اكتشفت أن هكذا يكون الحال لو كنت نايم فوق حد تحت السرير صوت نفسه زى صوت بابور الطحين.. وبعد شوية بدأ يصدر منها أنين بحشرجة تحول ف طوره الثالث إلى نعير، وختمت بمسلسل من العوعو غوغو زووزوو.. مش عارفة كناية عن كوابيس والا سراديب صدرها كان فيها من التعرجات ما يجعل الهوا اللى داخل وخارج يمر بيها مصدرا هذه الزوابع..
■ الصبح حطينالها الفطور.. لأ.. دخلت ماما عالتلاجة لقتها منسوفة من كله.. سألنا بعض.. مين اللى نسف التلاجة؟؟.. زى مين اللى سرق العامود كده.. طلع محدش طبعا غير الكائن الغريب فتزحية.. التى كانت تجلس محملقة فى لا شىء ولا كأنها عاملة عملة..
■ بدأت أراقب فتزحية عن قرب.. ياللا ننضف قزاز الشباك.. ماهو نضيف.. لأ مش نضيف يا فتحية.. لأ نضيف.. هو أنا هاهرق نفسى وأنضفه عشان يتوسخ تانى؟؟.. فنستغرق فى مناقشة طويلة عن كُنية القزاز نضيف والا ملطّع.. وجدوى تنضيفه من عدمها.. واتضح إن هذه فكرة البت فتزحية عن النضافة عموما.. حتى جسدها.. فأى شىء حايتوسخ تانى يبقى عبث إننا ننضفه..
■ إذن هى لا تعترف بأنها هنا من أجل هذه المهمة.. طب نعمل إيه؟؟.. نحاول نشوف لها مهمة أخرى.. الطبيخ مستحيل طبعا.. فهى رائدة ومؤسسة مدرسة العفانة، وبالتالى مجرد اقترابها من باب المطبخ جريمة فى حقنا وحق منظمات حقوق الإنسان عموما.. طيب تعرف تكوى مثلا؟؟.. لأ.. تنشر الغسيل؟؟.. لأ.. تغسل مواعين؟؟.. تخيط ملابس؟؟.. تشتغل تريكو؟؟.. لأ.. كله لأ.. وليست هناك نية لتعلم أى شىء..
■ حاولت اتجاذب معاها أطراف الحديث يمكن أعرفلها أى هواية أو نشاط أو رغبة دفينة حتى.. أبدا.. قلنا نسيبها شوية لحد ما يظهر عم نبراوى ونسلمه الأمانة ونخلص.. خصوصا إن دادة أمينة قربت ترجع م الأجازة ودى كانت ممشيانا عالعجين ما نلخبطوش من حيث النظام والنضافة.. لكن عم نبراوى اختفى.. بلانا البلوة دى وخد فى وشه وقال عدولى..
■ كان من الممكن أن تتحول فتحية إلى بنى آدم عايش معانا على ما تفرج وخلاص.. إلا أنها تحولت إلى عبء ثقيل، خصوصا بعد ما بدأت هواياتها الحقيقية تظهر.. فقد كانت تنفذ عكس الغرض من قدومها أصلا.. إحنا ننضف وهى توسخ.. وتتلصص علينا.. يجيلنا ضيوف فتدخل تآنسنا وتجلس وسطهم بلا أى مناسبة، وكمان تصدر ،صوات وتصرفات تودى ف داهية.. تعبث بأشيائنا مثل كتبنا وكراريسنا بغرض التبويظ وخلاص.. ترتدى ملابسنا فى غيابنا فتفضحها رائحتها.. وبدأت تقلب الفلوس الفكة، ثم دخلت عالمجمد.. وتخفى الأشياء الهامة وتبتسم فى لؤم شديد عندما نجدها بعد طول بحث.. وكانت بتاكل كل الأكل حتى بدأنا نشعر بالاضطهاد وبوادر المجاعة..
■ كإنه كان احتلال من كائن غريب عجيب مزعج ممل وشكله استغفر الله كمان.. حتى جاء يوم كانت أمى تقوم بالتنظيف وهى واقفة تتفرج عليها وماسكة فازة كبيرة بتلعب بيها.. فأمرتها أمى بأن تضع الفازة جانبا وتوسع الطريق لها حتى تنتهى من التنظيف.. فالبت فتزحية بوقاحة شديدة راحت رافعة الفازة لحظة كده وماما تتابعها بعينيها فى فزع وراحت دب.. دشاها فى الأرض.. هنا خرجت ماما عن عقلها وصبرها وراحت راكنة المقشة وقالعة الشبشب وهجمت عليها.. وقبل أن أفيق من صدمة إن ماما ممكن تضرب حد بالشبشب زى الأفلام كان الجرس بيضرب فجريت أفتح الباب.. للحظ طلع عم نبراوى جاى يقبض الشهرية.. وكان أن اشتركنا جميعا فى هذه الموقعة التاريخية.. ماما طايحة بالشبشب وأنا وعم نبراوى بنحجز بينها وبين فتزحية.. وأنا بصفتى لئيمة بطبعى.. كل ما ألاقى الشبشب نازل أصدر قرعة عم نبراوى لتتلقى الطرقعة..
■ انتهت الموقعة ولله الحمد بعم نبراوى يرحل ومعاه البت فتزحية وماما بتدش بواقى الفازة وراهم..
■ هذه حادثة حقيقية.. لا يميزها عن غيرها من الحوادث الشخصية إلا تاريخ حدوثها.. للعجب أعجاب.. كانت يوم تلاتين يونيو.
أخبار متعلقة بـ”مقال اسعاد يونس”.. مقال اسعاد يونس البت فتحية في قفص المتنمرين.. الجمهور: قرف من العنصرية