بعد أكتوبر 1973، أدرك المعتدون أن الحرب ضد العرب وتحديدًا مصر لم تعد حرب سلاح، وأن استراتيجية المعركة لم تعد فقط تطوير معدات وآلات الحرب الحديدية والنووية والبارودية، وبدأت استراتيجية التخطيط التي تمتد إلى سنوات وعصور وعهود قادمة.
الكلام المُرسل الآن قيل ويُقال وسيُقال، إن إظهار الدول للتسليح العسكري لبلادها بالطبع لا غنى عنه، لكن أصبح الغرض منه في المقام الأول هو غرض حرب نفسية أكثر من كونه تسليحًا عسكريًا مهمًا للدفاع عن النفس وردع المعتدين، فالحرب النفسية باتت هي الأولى من نوعها.
الآن.. الموضوع والخطر لا يكمن فقط في صورة “الحرب النفسية” القائمة عبر العالم، إنما في حرب الحضارات والهوية والثقافة، هذا النوع الخطير الذي تتجاوز خطورته حد خطر استخدام النووي وتخصيب اليورانيوم.
ولأن المعتدين دائمًا يخلقون الحجج والمبررات التي تجعل من اعتدائهم ضرورة من أجل الحفاظ على السلام، ولأن ذلك بات مفهوما ومعروفًا لدى الجميع، وبات الستار مفتوحًا، وبات الغطاء مكشوفًا، كان لابد من هذا السلاح الجديد، سلاح غزو الحضارات وطمس الهوية والثقافة.
ربما هذا لم يعد جديدًا للحديث عنه، لكن الحقيقة المؤلمة أن لا شيء يتغير سوى للأسوأ ولصالح العدو الذي لا يكل ولا يمل ولا يغفل ويجتهد دائمًا من أجل مخططه الشيطاني، وعلى العكس يغفل ويمل وأحيانًا يتناسى المعتدى عليه هذا المخطط الخطير.
انظروا لهذا النوع من الفن، وهذا النوع من الثقافة الجديدة التي تغزو الثقافات تحديدًا الشرقية وخاصة المصرية، في محاولة جد لطمس الهوية والثقافة والحضارة، من أجل السيطرة الكاملة والمهيمنة على الشعوب، مؤكدين أن الحرب ضد العرب لم يعد ينفع فيها استخدام السلاح العادي ولم تعد المواجهة تحمل الذخيرة والنيران، وإنما المواجهة يجب أن تكون من خلال الحفر كالسوس في الأساس، فكانت النتيجة ما نراه الآن من فنون رديئة لا ترقى أبدًا لأن تحمل اسم مصر والعرب.
قياسًا بذلك ليس الفن فقط وإنما الأدب والثقافة والهوية والحضارة والعلوم وكل شيء، ورغم أننا نعي ذلك جيدًا تلك الحرب اللعينة، إلا أننا أصبحنا نفخر بذلك، وندعمه وندافع عنه، في مهرجانات العري ودعم ألوان الفن الرخيص، وألوان الأدب الرديء، وأشكال العلوم المخلوطة بسموم نفرح بها أحيانًا كوننا نتعلم علومًا ثمينة، هي في الحقيقة مسمومة سم قاتل.
ولأن ذلك ليس بجديد، كانت محاولات القيادة السياسية المصرية الجاهدة في هذا الإطار من خلال القوة الناعمة وعبر محاولات بناء الإنسان وإعادة إحياء التراث ليكون مُحمسًا ودافعًا وداعمًا نحو مستقبل لا يخلو من الوطنية والثقافة والهوية والحضارة والدم المصري العربي الخالص وغير الرجعية، والقادرة على مواكبة التقدم السريع في التكنولوجيا والحرب التقنية وردع الحروب الجديدة، وهو الأمر المعلوم بالطبع ولكنه يحتاج إلى جهود جديدة تبدأ من الجميع وليس واحد فقط، فالمستقبل في خطر كبير مهدد بأيدي الأجيال الصاعدة أكثر من تهديدات الخارج.