شارك إسماعيل بوصحابة (42 عاما) -مسير شركة صغيرة في قطاع الإلكترونيات- إلى جانب أكثر من ستمئة مسؤول في المناظرة الوطنية حول الجبايات، التي عقدت بالمغرب خلال يومي الجمعة والسبت الماضيين بمدينة الصخيرات جنوب العاصمة الرباط.
يقول إسماعيل للجزيرة نت إن الضرائب تثقل كاهل الشركة وتضعف تنافسيتها. ويوضح المستثمر الشاب أن أي صاحب شركة بدل أن يفكر في تطوير نشاطه تجده يفكر في كيفية تجنب الضريبة.
رهان على العدالة
يتوقع إسماعيل، أن يسفر النقاش الدائر حول الجبايات عن تجديد المنظومة الضريبية، ويقول “ننتظر من المقررين في القانون الضريبي أن يحترموا تنافسية الشركات الصغيرة تحديدا، وأن يخففوا كاهلها من ثقل الضرائب”.
وبرئاسة رئيس الحكومة سعد الدين العثماني، راهنت المناظرة على “العدالة الجبائية”، ورفعتها شعارا لأعمالها.
وقال رئيس الحكومة المغربية سعد الدين العثماني، في افتتاح المناظرة، إن الهدف هو البحث عن العدالة الجبائية، معتبرا أن المناظرة والتقاء مختلف الفاعلين “فرصة سانحة لحوار وطني شفاف ومفتوح”.
ونوه رئيس الحكومة بما أسماه “الوعي المشترك لمختلف الفاعلين” الذي يؤكد، بحسبه، أن النظام الجبائي محرك ومحفز لإنتاج الثروة.
وأضاف العثماني “نريد نظاما جبائيا يتسم بالإنصاف والعدالة”.
وتسلمت لجنة إعداد المناظرة 170 مذكرة مكتوبة، شملت مقترحات وتوصيات من أجل عدالة ضريبية.
نظام جبائي غير متوازن
وأقر وزير الاقتصاد والمالية المغربي محمد بنشعبون بأن تشخيص قطاع الضرائب يظهر غياب العدالة والتوازن، ويقتضي المراجعة وإعادة النظر في النظام الجبائي.
وكشف الوزير المغربي أن التحفيزات الضريبية التي تقرها الدولة تكلف ثلاثين مليار درهم (ما يقارب ثلاثة مليارات دولار)، وهو ما يمثل 2.5% من الناتج الداخلي الخام.
وحسب وزير الاقتصاد والمالية، فإن 50% من إيرادات الضريبة على القيمة المضافة تأتي من 150 شركة فقط.
وكان الناطق الرسمي باسم الحكومة، مصطفى الخلفي، قد أعلن قبيل المناظرة أن 80% من الضريبة على القيمة المضافة تؤدى من طرف 1.6% من الملزمين فقط.
وأظهرت وزارة الاقتصاد والمالية أن 27% فقط من التصريحات بالضرائب تنتهي بالأداء، في حين تؤدي 0.8% من الشركات 80% من الضريبة على الشركات، أما 20% المتبقية فتؤديها 99.2% من الشركات.
ولفت الناطق الرسمي باسم الحكومة إلى أن قطاعات واسعة وشرائح خاصة في المهن الحرة لا تقدم أي تصريحات (ضريبية)، مما يجعل الضغط على الضريبة على الدخل مرتبطا بالموظفين والأجراء.
وقال إن هذا أحد أوجه الاختلالات التي تنتج حالة من عدم الإنصاف لأن الضريبة تتركز على فئة دون أخرى.
أموال مهدورة
ويخسر المغرب أكثر من 2.45 مليار دولار سنويا نتيجة التهرب الضريبي، حسب تقرير لمنظمة أوكسفام.
وجاء في تقرير المنظمة غير الحكومية أن 82% من العائدات الضريبية على الشركات تستخلص فقط من 2% من الشركات.
وأشارت أوكسفام في تقرير بعنوان “مغرب متساو، جباية عادلة” إلى قصور النظام الضريبي عن تقليص الفوارق.
من جانبه، صنف المركز المغربي للظرفية، المغرب، على رأس قائمة البلدان الأفريقية التي لديها أعلى معدل من الضرائب الإجبارية (الرسوم الضريبية والمساهمات الاجتماعية).
وكشف المركز في تقرير له أن النظام الضريبي المغربي يعاني نقص الكفاءة، وغير عادل.
وأوضح التقرير أن النظام الضريبي المغربي يعاني من عبء ضريبي مرتفع، مشيرا إلى أن المبلغ الإجمالي للخصومات الإجبارية يتجاوز 30% من الناتج المحلي الإجمالي.
توصيات
يطمح القائمون وراء المناظرة إلى إعداد “قانون إطار” يوضح الرؤية لمختلف الفاعلين الاقتصاديين خلال السنوات الخمس المقبلة، على ضوء توصيات المناظرة.
وقال وزير الاقتصاد والمالية “نهدف إلى العدالة الاجتماعية وتقليص الفوارق المجالية”.
وجاء في توصيات المناظرة ضرورة الالتزام بواجب الشفافية والحق في المعلومة، والإنصاف الجبائي عبر ترسيخ مبدأ فرض الضريبة على أساس الدخل العام، بالإضافة إلى توسيع مجال الضريبة على القيمة المضافة ليشمل جميع الأنشطة الاقتصادية، وترشيد التحفيزات الجبائية، وإعادة التوزيع الفعال عن طريق الضريبة.
كما أوصت المناظرة بمحاربة الرشوة وإحداث مجلس وطني للاقتطاعات الضريبية، وترسيخ المساواة أمام الضريبة، وملاءمة الجبايات مع المنتوجات المالية الجديدة.
وكانت منظمة أوكسفام قد أوصت الحكومة المغربية بإنتاج بيانات إحصائية محدثة ومتاحة للعموم عن تفاوت الدخل وتركيز الثروة.
كما أوصت بتبني نظام ضريبي عادل يساهم في تقليص الفوارق الاجتماعية عن طريق تحسين تصاعدية النظام الضريبي في مجمله، ووضع مكافحة التهرب الضريبي على قائمة الأولويات.
فهل تتجاوز التوصيات حدود المناظرة نحو التطبيق؟ أم تبقى حبرا على ورق ينضاف إلى توصيات المناظرات السابقة؟