الهجرة النبوية الشريفة هي بداية عهد مَجيد حيث يقولُ اللهُ تعالى في القرآنِ الكريم: ” إلّا تَنْصُروهُ فقدْ نَصَرَهُ اللهُ إذْ أخرَجَهُ الذينَ كفروا ثانِيَ اثْنَيْنِ إذْ هما في الغارِ إذْ يقولُ لِصاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إنَّ اللهَ معَنا”.
إنَّ الماضي صفحات والتاريخ عِبَر وعظات، وهجرةُ الرّسولِ صلّ اللهُ عليه وسلّم هي واحدة من تلك العِبر والعِظات، و لذلكَ سوف نخبركم في هذا المقال بالدروس والعبر المستفادة من الهجرة النبوية الشريفة.
لقد كانت الهجرة إيذانا بأنّ صَوْلةَ الباطلِ مَهْما عَظُمَت وقوته مهما بلغت فمصيرها إلى الزّوال وإيذانا بأنَّ الحقَّ لا بدَّ لهُ مِنْ يوم يُحَطّمُ فيه الأغلال وتَعْلو فيه رايَته وترْتفع كلِمتهُ.
وكيفَ لا واللهُ سبْحانَهُ وتعالى قدْ وعَدَ المؤمنينَ بالنّصرِ المُبِين وجعلَ لهُم منَ الشِّدّةِ فرَجًا ومنَ العُسرِ يُسْرًا ومنَ الضّيقِ مَخْرَجًا.
قال اللهُ تعالى: “إنّا لَنَنْصُرُ رسُلَنا والذينَ ءامنوا في الحياةِ الدّنيا ويومَ يقومُ الأشْهاد”.
وَلئنْ كانت الهجرةُ المُباركةُ حَرَكةً نَوْعيّةً في تاريخِ المِنْطَقةِ ونُقطةَ تَحَوُّلٍ في حياةِ الدّعوةِ الإسلاميّةِ، إلّا أنّهُ سبقَ تلكَ الهجرةَ الجسَديّة هجرةٌ رُوحيّةٌ عظيمة.
شاهد أيضاً: ماهي ثنيات الوداع وماسبب تسميتها؟.. ولماذا استقبل النساء الرسول قبل الرجال؟
ٌ تَمَثَّلَتْ بِقَبولِ المُهْتَدِينَ للدّعوةِ المُحَمَّديّة ودخولِهِمْ في دينِ اللهِ العظيمِ وثبوتِهِمْ فيه على الرَّغْمِ منَ الاضطهادِ وكل المُحاولاتِ لَصَرْفِهِمْ عنْ دعوةِ الحقِّ بعدَ هذه الهجرةِ منَ الضّلالِ إلى الإيمانِ ومنْ ظلامِ الجاهليّةِ إلى نورِ الإسلامِ العظيمِ، وبعدَ هجرةِ الأرواحِ التي تسَامَتْ عنِ التّعَلُّقِ بالدّنيا وهجرَتْ كلَّ ما ألِفَتْ مِنْ عاداتٍ بغيضةٍ وتقاليد بالِية، جاءَتْ هجرةُ الصّحابةِ إلى الحبَشةِ ثمَّ إلى المدينةِ المُنوّرةِ لِتُشَكلَ قِمّةَ العَطاءِ والاسْتِعداد للتّضْحيةِ بكلِّ شىءٍ مِنْ مالٍ وأهلٍ وأرضٍ في سبيلِ اللهِ تعالى.
وجاءتْ هجرةُ الرّسولِ صلّ اللهُ عليه وسلّم بأمرٍ مِنْ ربِّهِ عزَّ وجل،ّ لِتُعْلِنَ نهايةَ عهدِ الاضطهادِ والاسْتِبْدادِ، وبدايةَ فجرٍ مُشْرِقٍ وعهدٍ مَجيدٍ.
ومِنْ هناكَ مِنْ يَثْرب انْبَثَقَ نورُ الدّعوة فبَدَّدَ الظُّلْمةَ وجازَ ما اعْتَرَضَهُ مِنْ عقَبات، وانْطَلَقَتْ كلِمَةُ الحقِّ تَحْمِلُها القوافِلُ والرُّكْبانُ وتُبَشِّرُ بها أصواتُ الدّعاةِ إلى الصّلاةِ في كلِّ أذان، حتّى أتَمَّ اللهُ على المسلمينَ النِّعْمةَ وازال عنهم كلَّ مِحْنة ودخلَ النّاسُ في دينِ اللهِ أفواجًا، وأذّنَ مُؤَذِّنُ الحقِّ
” اللهُ أكبرُ اللهُ أكبرُ جاءَ الحقُّ وزَهقَ الباطل وللهِ العِزّةُ ولرسولِهِ وللمؤمنين ” والحمدُ للهِ ربِّ العالَمين.
يعجبك أيضاً: كيف تقضي اجازة رأس السنة الهجرية.. وماهي العبادات والأدعية المستحبة لهذا اليوم
مراحل الهجرة النبوية المشرفة:
فقد مرّت هجرة الرسول عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم من مكة للمدينة المنورة بالعديد من المراحل وهي كما يلي:
مرحلة التخطيط للهجرة النبوية:
فحين علم رسولنا الكريم صل الله عليه وسلم بأمر الله سبحانه وتعالى له بالهجرة، بالطبع بعد أن أخبره سيدنا جبريل بذلك، فقد بدأ الرسول صل الله عليه وسلم، بالتخطيط لأمر الهجرة بعناية وإحكام، حتى يستطيع إخفاء هذا الأمر عن قريش، وضمانه عدم علم قريش بأي شئ عنها، لذا فقد خرج من منزله وقت الظهيرة، وتوجه إلى منزل أبو بكر الصديق، الصحابي الجليل وأول الخلفاء الراشدين.
وعندما وصل له أعلمه الرسول بأنّه سيهاجر من مكة إلى المدينة وأخبره أيضا أنّه سيكون صاحبه في الهجرة، وحينها لم يتمالك أبي بكر نفسه بسبب فرحته وسعادته، لأنه سيشارك النبي الكريم هجرته فبكى بشدة.
وقد أمر الرسول الكريم علي بن أبي طالب رضي الله عنه (ابن عم الرسول) بأن ينام بفراشه لكي يظن المشركون أنّ النبي لا يزال في منزله.
مرحلة الإعداد للهجرة النبوية:
في تلك المرحلة قد قام الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام وصاحبه أبي بكر الصديق بالإعداد والتجهيز للانطلاق برحلة الهجرة، فقد جهز أبا بكر للهجرة النبوية راحلتين، وأيضا حمل معه 5000 دينار من ماله الخاص رضي الله سبحانه وتعالى عنه وأرضاه.
مرحلة التنظيم للهجرة النبوية:
في تلك المرحلة قام الرسول الكريم صل الله عليه وسلم بتنظيم كل أمر الهجرة عن طريق توزيع كل المهام على الرجال والنساء، فقد قام باستئجار أحد الأدلة ويدعى عبد الله ابن أريقط، لكي يقوم بمهمة إستكشاف الطريق.
وأيضا قد كلّف الصحابي الجليل عبد الله ابن أبو بكر رضي الله عنهما بمهمة تقصي ومعرفة أخبار المشركين بالإضافة لإعلام النبي بكل ما يصله من معلومات وأخبار فكان عبد الله بن أبو بكر يخرج في أوّل الليل يحمل أخبار قريش للنبي الكريم، ثمّ يعود الصحابي قبل طلوع الفجر.
وقد كلّف النبي عامر ابن فهيرة بمهمة لرعي الأغنام على آثار الأقدام لكي لا يستدلّ المشركين منه على مكان النبي الكريم وقد كانت أسماء بنت أبو بكر صاحبه رضي الله عنهما تقوم بمهمة الإمداد والتزويد بالطعام والشراب داعمة لهم بإحتياجاتهم وغير عابئة بالخطر الذي تضع نفسها فيه.
مرحلة التنفيذ للهجرة النبوية:
في تلك المرحلة خرج رسولنا الكريم عليه أفضل الصلاة والسلام مع صاحبه أبو بكر من خوخة بمنزل أبي بكر وتوجها في اتجاه الجنوب لليمن مخالفين بذلك الطريق المعتاد، وسالكين لطريق البحر الأحمر، حيث وصلوا لغار ثور واتفقوا أن يظلوا به ثلاث أيام، إلى أن يأتي عامر ابن فهيرة ومعه الناقتين بعد انتهاء هذه الأيام لكي ينطلقا بعدها لاستكمال رحلتهما معا وقد وصلا لقباء باليوم الـ12 من شهر ربيع الأول، حيث بقي الرسول الكريم بها 14 يوماً وبنى خلال تلك الأيام مسجد قباء، وبعد ذلك إرتحل إلى أن وصل للمدينة المنورة مكملين بتلك المرحلة الرحلة والهجرة النبوية الشريفة التي آخت بين المهاجرين والأنصار ووحدت صفوف المسلمين.
10 معلومات هامة عن السنة الهجرية:
أتفق المسلمون على أن يتخذوا هذا التاريخ 1 محرم موعدا للتقويم الإسلامي، فيما يلي أهم 10 معلومات عن التقويم الهجري.
1- متى بدأ استخدام التقويم الهجري؟
استمر المسلمون في تسمية السنوات حسب الأحداث التي تقع بها، حتى عهد الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
وفي سنة 17 من الهجرة وبعد أن أرسل أبو موسى الأشعري الذي كان يحكم البصرة رسالة إلى الخليفة عمر يستحثه على إيجاد طريقة أخرى لاحتساب السنين، اتفق الصحابة في ذلك الوقت على اعتبار تاريخ الهجرة منطلقا لاحتساب السنين.
2 – كيف كان يحسب العرب الزمن قبل الإسلام؟
واعتمد العرب على الشهور القمرية كما كانت الحال بعد البعثة النبوية، وكانت السنة تتألف أيضا من 12 شهرا وكانوا يسمونها بالأسماء ذاتها، غير أنهم لم تكن لديهم طريقة محددة لاحتساب السنين، بل كانوا يسمونها حسب الأحداث التي تقع بها ومن أشهر أسماء السنوات في هذا الصدد “عام الفيل”،
عام مولد رسول الله صل الله عليه وسلم.
3 – ما معنى الشهور في السنة الهجرية؟
قبل الاستقرار على الأسماء المستخدمة حاليا، كان العرب يستخدمون أسماء مغايرة تماما، لكن الأسماء الحالية بدأ استخدامها في مستهل القرن الخامس الميلادي.
ورغم أن التقويم القمري لا يتطابق مع التقويم الميلادي المرتبط بفصول السنة، إلا أن الشهور ارتبطت وقت تسميتها بالمناخ العام في ذلك الوقت.
-محرم:
لأنه أحد الأشهر الحرم التي يحرم فيها القتال.
– صفر:
لأن البيوت كانت “تصفر” فيها أي كانت تخلو من ساكنيها لخروجهم إلى الحرب بعد انتهاء محرم.
– ربيع الأول و- ربيع الآخر:
لأنهما حلا في الربيع.
– جمادى الأولى والأخيرة:
لتجمد المياه في ذلك الوقت من شدة البرودة.
– رجب:
لأن العرب كانوا يوقرون هذا الشهر لأنه من الشهر الحرم، فمعنى “رجًّب الشيء” عظمه.
– شعبان:
لأن القبائل كانت تتشعب فيه للحروب مرة أخرى بعد التوقف في رجب.
– رمضان:
من الرمضاء أي الحرارة الشديدة لأنه حل في الصيف في العام الذي أُطلقت فيه تسمية هذه الشهور.
– شوال:
لأن الإبل كانت “تشول” فيه بأذنابها أي ترفعها في موسم التزاوج.
– ذو القعدة:
لقعود العرب عن القتال لأنه من الأشهر الحرم.
– ذو الحجة:
اعتاد العرب الحج في هذا الشهر.
4- متى يتطابق التقويم الهجري مع الميلادي؟
لا يتطابق التقويمان إلا كل 33 سنة هجرية تقريبا.
5- ما عدد أيام السنة القمرية؟
تتألف السنة القمرية من 354 يوما و8 ساعات و48 دقيقة، وهي الفترة التي يستغرقها القمر في الدوران حول الأرض.
6- لماذا اختار المسلمون حدث الهجرة وليس البعثة نقطة احتساب التقويم الإسلامي؟
يرى العلماء أن السبب الأساسي في ذلك هو أن الهجرة كانت التاريخ الحقيقي لقيام الدولة الإسلامية بهجرة الرسول إلى المدينة ومناصرة أهل المدينة له.
7- لماذا لم يجعل المسلمون من شهر صفر بداية للسنة الهجرية؟
تبدأ السنة الهجرية في الأول من محرم، في حين أن الرسول ﷺ هاجر في شهر صفر، ووصل إلى المدينة في ربيع الأول، غير أن المسلمين اتفقوا على أن يُبقوا على شهر محرم بصفته أول السنة الهجرية، لأنه كان هو النظام المعمول به قبل الإسلام، ويقول بعض العلماء إن ابتداء العزم على الهجرة كان في محرم.
8- ما سبب الاختلاف بين الدول الإسلامية على رؤية الأهلة؟
نتيجة استخدام طرق حسابية مختلفة في تحديد الرؤية هذا إلى جانب ظروف الطقس، لذلك تظل الرؤية الفعلية للهلال أساسا في تحديد مناسبات أساسية في الإسلام مثل بداية شهر رمضان.
9- ما هي الأمم الأخرى التي تتبنى التقويم القمري؟
قديما كان يتبنى الصينيون والبابليون والاغريق واليهود التقويم القمري، وفي الوقت الحالي يتبنى ما تبقى من هذه الأمم ما يعرف بالتقويم القمري الشمسي.