المياه موت أو حياة.. حق من حقوق الشعب المفروضة على أولي الأمر الملزمون بحمايته والدفاع عنه، لا مجال للنقاش أو الجدال في ذلك، أيضًا لا مجال للخلاف حول أن القضية المطروحة – قضية سد النهضة – هي قضية أمن وطني لا يجب الحديث فيها على الملأ، أو على الأقل عدم الخوض في تفاصيلها تمامًا.
كان هذا من المفترض أن يكون سلوك وأسلوب التعامل مع القضية منذ البداية، لا مجال لحديث الخبراء والمحللين والفقهاء السياسيين غير المتخصصين، كان يجب أن تُغلق الدائرة، وأن نكون أمام لجنة بعينها تتعامل مع القضية من هذا المنطلق، وبإجراءات حاسمة حازمة تحفظ على الأقل الهيبة المصرية والأمان نحو الحياة والمستقبل.
دخلت أزمة سد النهضة الأثيوبي مرحلة جديدة من التعقيد، استدعت تحولا واضحا في الخطاب المصري إزاء الأزمة، وفرضت مكاشفة علنية بجمود المفاوضات، والتصريح بتعنت أديس أبابا في التعاطي مع مقترحات القاهرة لتخفيف حدة التداعيات القاسية للسد على الواقع المائي في مصر.
تعقد مسار القضية، وتفاقمت الأزمة، مما ضعنا جميعًا أمام إلزامية للتفكير والبحث عن بدائل، لكن لا أرى في ذلك أبدًا مفهوم التوقف والاستسلام، لكن إصلاح الفاسد أو ما أفسده أحد واجب وفرض، حتى لا تزداد أوضاع الأذى، بالسير في طريق مواز للبحث عن بدائل تخفف تداعيات الأزمة المطروحة، من الممكن أن يغلب عليها الأفكار والحلول الاقتصادية ذات الطابع الفني الأمني لنتعامل بمجموعة من السيناريوهات البديلة حتى ولو لم نكن نرغبها.
ترشيد الاستهلاك في الكثير من الأغراض أولى تلك الحدود، والذي يجب أن تبدأ من الشعب ذاته، فإننى أرى بأم عيني هؤلاء الذين يجلبون الرزق برش المياه أمام محلاتهم، وهؤلاء الذين يجذبون النسيم ويطردون حرارة الصيف برش المياه، ويشكون ارتفاع الفواتير، ولا يشكون ما سيلحق بنا، ويحملون الفشل للقيادة وكأنهم ليسوا جزءًا منه.
الحقيقة أننا أمام إلزامية كاملة لاختراق صلب الأزمة بالترشيد والاعتماد على المياه المحلاة في توفير احتياجات المحافظات الساحلية، إلا أن قطاع الزراعة، المستهلك الأول للمياه في مصر ينبغي أن يكون هو المستهدف الأول.
الكثير من المياه في مصر تستخدم عدة مرات في رحلتها عبر البلاد، خاصة في مجال الزراعة، كما تعتبر السياحة في مصر من الأنشطة المستهلكة للمياه بسبب الحاجة إلى ري ملاعب الجولف، وملء أحواض السباحة، والنوافير والبحيرات الصناعية، وإمداد الفنادق بالمياه، وما إلى ذلك، وإذا ما تحققت خطط الحكومة لجذب 20 مليون سائح سنويا بحلول عام 2020، فسيكون قطاع السياحة أحد المستهلكين الرئيسيين للمياه، وهو ما يتطلب تغييرا حقيقيا في نمط استهلاك ذلك القطاع للمياه.
وبما أننا غير متخصصين فليس علينا سوى المساهمة بالتفكير والاقتراح والتقدير لصعوبة الأزمة وخطورتها، وإن كنا قد نرى أنه بموازاة الحلول الداخلية، تبدو مصر بحاجة إلى مشروعات خارجية غير تقليدية، وربما إحياء مشروعات قديمة تعرضت للتعطل نتيجة ارتفاع كلفتها المالية، أو عدم توافر الأجواء للتنفيذ، لكن في ظل الضغط الحالي، قد تكون العودة إلى تلك المشروعات القديمة بديلا مطروحا، ومن المشروعات القديمة التي ينبغي إعادة التفكير فيها إمكانية تنفيذ مشروع نهر الكونغو والذى يقضي بشق قناة تصل مياه النهر بنهر النيل عبر جنوب السودان، ورغم رأى بعض الخبراء أن هذا المشروع يواجه العديد من المعوقات، إلا أن الضغوط بسبب سد النهضة، وتميز العلاقات بين مصر والكونغو، ربما تمنح فرصة جديدة للتحرك المصري لتعزيز التعاون مع الكونغو ومساعدتها في عدد من المشروعات وعلى رأسها مجال توليد الكهرباء خاصة وأنها تعانى من نقص حاد في الطاقة في مقابل الاستفادة من المياه المهدورة في المحيط الأطلنطي.