في مصر.. وفي عهد الملكية، كان عادة يتولى رئيس الوزراء وزارة الداخلية لخطورة مسئوليتها، والمهام الجسام الملقاة عليها في حفظ الأمن، خاصة في ظل الاحتلال الإنجليزي الغاشم.. لكن الوفد، وفي ظل قيادة النحاس باشا، كسر هذه القاعدة، وأسند الحقيقة البالغة الأهمية لأول مرة لشخص آخر في وزارة الوفد التي تولت الحكم في فبراير 1942، وكان فؤاد باشا سراج الدين، هذا الشخص الذي نال هذا الشرف.
لم يكن فؤاد باشا سراج الدين، زعيم الوفد الجديد، أول وزير داخلية فقط، ولكن كان أصغر وزير عرفته مصر عقب دستور 1923، الذي كان في أوائل الثلاثينيات من عمره.. وكونه وزيرًا للمالية والداخلية معًا في في الوقت الذي طُلب فيه اعتماد إضافي عاجل لإدارة الأمن العام ومكتب مكافحة المخدرات في أوائل يونيو 1951، إلا أنه رفض طلب اللواء حسين صبحي، مدير الأمن العام بالاعتماد المالي، بسبب انتهاء العام المالي، ورأى زعيم الوفد أن الحل الوحيد في ذلك الوقت أن يعطي الداخلية “سلفة” من جيبه الخاص، وحرر حينها “سراج الدين باشا”، شيكًا بمبلغ ثلاثون ألف جنيه، وقامت الداخلية بصرفه بالفعل من بنك مصر.
هذا كان أحد مواقف رجال الوفد تجاه أمن مصر القومي، ليدون التاريخ حدثًا جليلًا آخر، يمر عليه 68 عامًا، وتفتخر به جنود مصر وشعبها، وكان يقوده الوفد في مواجه الاحتلال، بعد ذلك الذي سجله زعماء الأمة في ثورة 1919، وكانت موقعة الإسماعيلية الشهيرة في 25 يناير 1952، حينما رفضت قوات الشرطة المصرية بقيادة زعيم الوفد، ووزير الداخلية في ذلك الوقت، تسليم أسلحتها وإخلاء مبنى المحافظة في الإسماعيلية للقوات البريطانية، التي وجهت قواتها ودباباتها وعرباتها المصفحة لمحاصرة قسم بوليس “شرطة” الإسماعيلية، بعد أن أرسلت إنذارًا لمأمور قسم الشرطة تطلب فيه منه تسليم أسلحة جنوده وعساكره، وترحل عن دار المحافظة والقسم عن منطقة القناة كلها، والانسحاب إلى القاهرة بدعوى أنها مركز اختفاء الفدائيين المصريين المكافحين ضد قواته في منطقة القنال.
ورغم أن الاشتباكات بين الشرطة المصرية والقوات البريطانية، أسفرت عن مقتل 50 شرطيًا مصريًا و80 جريحًا، وقامت القوات البريطانية بالاستيلاء على مبنى محافظة الإسماعيلية، غير أن ضباط وجنود البوليس “الشرطة” رفضوا قبول هذا الإنذار، ورفضت المحافظة الإنذار البريطاني وأبلغته إلى وزير الداخلية ” فؤاد سراج الدين باشا ” الذي أقر موقفها، وطلب منها الصمود والمقاومة وعدم الاستسلام.
في صباح السبت 26 من يناير 1952انتشرت أخبار الحادث في مصر كلها، واستقبل المصريون تلك الأنباء بالغضب والسخط، وخرجت المظاهرات العارمة في القاهرة، واشترك جنود الشرطة مع طلاب الجامعة في مظاهراتهم ، وانطلقت المظاهرات تشق شوارع القاهرة التي امتلأت بالجماهير الغاضبة.
كان ذلك هو الوفد، وكان كذلك زعيمه الوطني، أصغر وزيرًا في الحكومات التي شارك فيها، وأصغر نائبًا.. هكذا كان فؤاد باشا سراج الدين قائدًا وزعيمًا للأمة، الذي عاد بالوفد من جديد للحياة السياسية، الذي عُرف بحب الناس، مؤسس حزب الوفد الجديد، الذي كرّمته مصر باعتقاله 8 مرات، ولا زال محفورًا في قلب المصريين.