كنت أتساءل ماضيًا عبر أكثر من 12 شهرًا “ماذا بعد؟!”، ماذا بعد أن يجلس الفتى العتي يتقد حركات الأميرة الطفلة وهي تخطو بخطوات يفوح عطرها فوق الرمال فتطغي على رائحة يود البحر الذي هيمه نسيم مرورها عليه؟، ماذا بعد أن غرق في بحر عينيها؟!، ماذا بعد ضحكتها التي أسقطته مغشيًا عليه وهو الذي لم تسقطه ضربات الأيام يومًا؟!، ماذا بعد أن ناولته قطعة من الطعام فأذابت قلبه؟!، ماذا بعد أن لملم الحنين ورحل مع نظرة شارد تشدو في الفضاء الرحب، يرى بين ثنايا الأيام كيف صارت نفسه كالحطام تذروها الرياح في كل واد؟!.
اقترب ثانية، بعد قرابة الأكثر من عام، سقط الفتى، وربما هي لا تكترث لوجوده إلا أن فقط شيء من اللوحة لاحظته دون اهتمام، فسألت عنه، كان حينها يخضع لمشفى منزلي إثر أزمة، كان هو الآخر لا يكترث، فقد كان فاقدًا لأمل أن يسقط رمشها عليه من شرفة القصر أعلى الجبل وهو في كوخه البسيط الذي لا يُرى من أكوام القش وأوراق الشجر، لكن ثمة رسائل خاطرية أو هواجس أوصلت أطراف الحبال فتواصلا بالكلام، انجذب نحو الأميرة كأن موجات كهرومغناطيسية تسحبه نحوها.
اعترف بجرمه الذي اقترفه بينه وبين قلبه واحتفظ به لنفسه كل هذه الفترة، وكيف أنه فقد الأمل لأن تنظر عين الأميرة لذلك الفتى الشارد الذي يراقبها بقلبه عن بعد كل يوم على شاطئ بحر المدينة وهي تخطو بخطوات الغزال المدلل وتتراقص كالخيل على دقات قلبه.
كانت الهواجس والرسائل المعروف بالتخاطر قد جذبتهما، لكن صدقه وجرأته أنهضته من فراشه العليل، شاهرًا سيفه ليشق الطريق ويصعد الجبل الصعب ويتحدى الصعاب وراح يميله يمينًا ويسارًا يقطع به عوائق طريقه، وقابل السلطان والملكة وأمام جمعهم أعلن عن حبه للأميرة غير خائف أو مهتز، كانت تقف خلف ستائر القصر، ترسل له قوة روحية عبر تخاطرها، فكان حديثه يزداد صلابة، كان تخاطرهما مصدر المتانة والشدة والشجاعة.
رغم تعجب الجميع والدهشة التي وقعت عليهم، كان لا يكترث إلا لرأيها، هل ستقبل؟، هل ستردد يومًا؟، هل ستتحمل؟، كيف تنظر لكوخه؟، هل ستقبل ترك القصر؟، جاءت وكأنها فراشة تحوم حوله خطفت قلبه.. مدّ يده فاستجابت له فانفتحت أبواب الجنة ولم يصدق!.
وفي جمعهم.. اختطفها من بينهم، فانصرفوا.. همس إليها، الآن أنت أميرة، ومعي لن تكوني إلا ملكة، الآن حان أن أحكي عنك بعد صمت عام كان لي كالقرن، الآن أنت وفقط والعين عمياء عن غيرك من تاء التأنيث، الآن حان أن أخبرك وأخبر الجميع أن رزقت بقطعة من الجنة، أكرمني الله بك.. سأحكي للجميع عنك، الآن أخبرك أننا في نقطة البداية.. للانطلاق دون نهاية إلا بالعالم الآخر، هناك سأخبر الله عنك، سأخبره أن أريد مرافقتك في النعيم… كما أخبرته في صلاتي وصيامي ونسكي.
حان الآن أحكي عنك دون توقف يا سيدتي..