المسافر الفضولي جوستاف فلوبير أخبرنا منذ حوالي قرنين أن ” الشرق يبدأ في القاهرة “، وبما أننا لا نستخدم الجياد أو الجمال أو نسافر فوق الحمير أو نبحر على هوى الأمواج، قررنا شراء رحلة نحو القاهرة .
الشرق يبدأ من القاهرة .. المحروسة، مدينة لطالما سحرت ألباب الشعراء والمبدعين، وجاء إليها الرحالة من كل أنحاء العالم يحاولون اكتشاف أسرار تلك المدينة الساحرة، التي جمعت بين روعة المدن التاريخية بغموضها وفنونها، وبين شموخ العواصم الكبرى التي صنعت التاريخ.
ففي القاهرة يزور السائحون مواقع لا تبدو مألوفة للسياحة، مثل سوق الجمال القديم بإمبابة أو مساكن الفقراء في المقابر ضمن مغامرات أخرى، والمقاهي وفي الشوارع والمطاعم الفخمة والمتوسطة ومع النصابين والتجار بل وأحيانا اللصوص، كل شئ فيها ذات طابع دافئ خاص.
حجم الأكاذيب والأوهام الشائعة غربا في ما يخص الشرق إضافة إلى ما يُروى عن حجم الخراب والدمار الذي يعيشه أهل هذا الشرق، منذ أقدم رحالة وطئت قدماه هذه الأرض، إلى أحدثهم عهدا.. يحتاج فعلًا الغوص فيها بالذات دون الاعتماد على الأسماع والأخبار المتناقلة، يجب أن تخطو بقدمك وبذاتك ونفسك للتطلع على الحقيقة دون تزيف، حتى وإن شكلت رأيك فهي وجهة نظرك بحسب ميولك وأهواءك وثقافتك، وليس بحسب هذا الذي ينقل إليك.
القاهرة “أم المدن وسيدة الأرياف العريضة والأراضي المثمرة”، ليست مدينة “ألف ليلة وليلة”، لكنها حقيقة أرض سحرية مصرية الهوى.
في القاهرة.. هنا مدينة الأشباح والأتربة والضباب الكثيف، تبدو -كلها- في حاجة إلى حمام ساخن ليتم تنظيفها من الغبار، وهي هنا أقرب إلى مدينة “لا ترحم الأعين”، بسبب كثافة الغبار، رغم وجود نهر النيل، لكن النهر مجرد تيار وليس رشاشا للمياه، الأمطار هي رشاش المياه، وكل شيء هنا ينقصُه الاغتسال، لا تقدر المباني على الاستحمام بالانغماس في النهر، ولا الشوارع ولا الأرصفة، فكل شيء مُغطى بالتراب والرمل، ولذا فإن كل شيء في حاجة إلى الاستحمام.
تحديث