في شارعٍ كبير، بدا وكأنه ميدان واسع، لم يغب الناس عنه، ولم تتأخر المارة، وكانت الأرجل تترجل في كل كان، أشهر الجاني سيفه أمام الجميع الذين فُنجلت أعينهم ووقفت السيارات والدراجات، ووقف المارة وكأن مسرحًا لأراجوز سيعرض حدوتة مثلًا، وليس فجأة راح الدم يرش المحيط، عندما انفجر من رقبة ورأس المجني عليه النائم على الأسفلت بعدما نزل السيف يعزف لحن الموت.
الحقيقة أن لحن الموت لم يكن يعزف على روح وألم وأنين المجني عليه، بل كان يعزف حُزنًا على هؤلاء الذين تمكن الخوف منهم فلم يكن فيهم شجاعًا واحدًا أراد أن يحمل روحه على كفه مثلًا ويدخل لينهي هذه المشهد قبل نهايته المأساوية هذه، الجميع يتساءل ماذا حدث؟، هي الدنيا جرا لها إيه؟.. يا عزيزي المشكلة ليست في الدنيا وليست حتى في القاتل، المشكلة الحقيقية في هذا الكم من الناس الذي ظهر مقاطع الفيديو المتداولة وهم يقفون يشاهدون الحدوتة، هذا الفيديو وهذه الصور من شرفة منزل أحدهم، والآخر من سيارة تصرخ بها سيدة وهي تشاهد المشهد، سيدتي علام تصرخي وأنت تحملين بين أناملك المليئة بطلاء الأظافر هاتفك وتقومي بتصوير الحكاية، بدلًا من أن تخرج منك مثلا حركة شهامة – وتدوسي بنزين تطيري القاتل في الحيطة – قلبك ضعيف لا يحتمل ذلك طبعًا لكنه يحتمل أن يحمل هاتفًا ويقوم بالتصوير..
عزيزي الذي هناك لماذا تقف هكذا، وأنت صوتك في المنزل يزلزل الجدران، وفي الشارع يبدو أنك عبده الفتك أو منصور الحفني أو حتى إبراهيم الأبيض بحسب وصفك لنفسك، ماذا جرى لعشرات الأشخاص يقفون “كالشحطة” أمام قاتل ذليل عويل هش البنية، من يُحاكم يا إخوتي الأفاضل، من وجهة نظري يُحاكم كل المشاركين في هذا الجُرم، كل من وقف وشاهد ولم يحاول، كل من كان سببًا في أن تكون الحالة السائدة هي “اللامبالاة” و”التصوير” من أجل اللايكات والمشاهدات، ماتت النخوة إذًا، ماتت المشاعر.. بل حتى متى الإنسان.
أعزائي.. في مذبحة الإسماعيلية.. نحن لسنا بحاجة إلى خبير نفسي يفسر ويشرح الحالة النفسية للجاني.. نحن في حاجة إلى خبراء نفسيين عالميين ليفسروا لنا ماذا أصاب العالم والناس في الشوارع ليقفوا هكذا يشاهدون كأنهم يشاهدون فيلمًا سينمائيًا، بل والأدهى أنهم يختلسون صور ومقاطع فيديو بهواتفهم، آخرين يمشون كأنهم في نزهة حول الضحية والجاني يستعرض قوته، لم يتحرك أحد بل لم تتحرك إنسانية أحد ولم تتحرك تعاليم وأخلاق أحد بالدفاع عن الضعيف حتى وإن كان مخطئًا، كيف لنا أن نرى هذا المشهد خارج شاشات التلفاز؟، ماذا أصاب الشوارع؟، وكيف ذُبحت قلوب الناس لتكن كالميتة العفنة هكذا؟… أين المحللون النفسيون ليفسروا لنا هذا المشهد بعيدًا عن الذبح والذابح والمذبوح؟!!